Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

التصنيف الممقوت

A A
نعلم يقيناً أن إيجاد التنافر والتباغض والتشرذم داخل أي مجتمع إنساني سيفضي به حتماً الى الضعف ليسهل الوصول الى خيراته واستثمارها، ولعل هذا الأسلوب يتم استثماره من قبل الدول الكبرى للوصول الى مبتغاها من ثروات وخيرات تلك البلدان. واللافت للانتباه انه في مجتمعاتنا العربية بدأت تبرز بعض المسميات التصنيفية لأفراد المجتمع كعلماني وليبرالي وسني وشيعي وصوفي ونحو ذلك من التصنيفات الطبقية أو المذهبية أو الاجتماعية، وهو ما لم تقره شريعتنا الإسلامية التي تنهى دائماً عن مثل تلك التصنيفات كونها تصب في جانب التعصب الفئوى الذي نهى عنه ديننا الحنيف، ولعل التنامي اللافت لحركة تلك المسميات التصنيفية بمجتمعنا قد دفع بالكثير من الكتاب والمفكرين لطرحها كقضية متعسرة لايمكن أن تنتهي الى حل ناجع نظراً لتباين التفسيرات والتوصيفات لها. ومن المؤكد أن ذلك الأمر قد دفع بخادم الحرمين الشريفين حفظه الله إلى التنويه لذلك في أحد خطاباته والتنبيه على خطورتها على تماسك المجتمع، لكن يبدو أن حالة العولمة الجارفة التي نعيشها وتحديداً عولمة الإعلام أدت الى نقل تلك المسميات التصنيفية متشعبة المعنى مما أدى الى فتح المجال لكل فرد كي يدلو بدلوه كيفما شاء وبما شاء حول تحديد مفهوم كل مسمى منها، وهذا بالتأكيد أحدث الخلط والتزييف مما دفع بالبعض من ضعاف النفوس أو الجهلة الى تحويل تلك المسميات الى تهم صريحة يقذف بها البعض.. فنرى هذا يقذف أخاه في الإسلام بالعلمانية أو الليبرالية أو الإسلامية المتعصبة كالمتزمت أو المتنطع ونحو ذلك ثم نرى تلك الاتهامات تتسع في مفهومها حتى نراها تصل الى حد الاتهام بالإلحاد أو الارهاب ونحوهما يوجهها من شاء الى من شاء وكيفما شاء. ومن اللافت ايضاً ان تلك المسميات لا تستمد معناها من جانب لغوي بل من اصطلاحات فضفاضة قد تحتمل عشرات المعاني، فعلى سبيل المثال العلمانية مفهوم قديم تعود جذوره الى الفلسفة اليونانية نتج عن صراع مرير عاشه الغرب المسيحي بعد أن غدت الكنيسة مصدراً للظلم والقسوة والاضطهاد لعامة الناس لمصلحة رجال الإقطاع الذين يستعبدون العامة من الناس فيستبيحون أموالهم وأعراضهم تحت مظلة الكنيسة، ثم اتجاه الكنيسة لرفض النظريات الكونية والجوانب العلمية واعتبار ذلك خطراً يحلحل سيطرتها ورجال الاقطاع على عامة الناس فظهرت العلمانية كإطار علمي مناهض لمعتقدات الكنيسة. وبقياس ذلك الواقع الظلامي للكنيسة المستبدة بواقع مبادئ وقيم وتعاليم الدين الاسلامي الحنيف نجد أن البون بينهما شاسع حيث إن الاسلام يحث في تعاليمه على العدل والمساواة بين أفراد المجتمع كما يحث على التفكر والتدبر والتأمل وعلى طلب العلم وفك رموز الكون وأسراره. ومن هنا يتضح لنا حجم الاختلاف بينهما مما يتنافى تماماً مع أصل المفهوم وجذوره التاريخية لكن البعض للأسف اختلق المسمى التصنيفي ليقذف به الغير دون علم أو دراية بأصول المفهوم التي انطلق منها، فنراه يلونه بما يروق له من الألوان من خلال بعض التعريفات ذات الدلالة المجزوزة كالفصل بين الدين والدولة في الإسلام ونعلم أن الدين والدولة في الاسلام ممتزجان الى حد كبير في مختلف المناحي الحياتية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store