Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

«قاذفات الحلوى» للغرب.. و «قاذفات الموت» لإدلب!

رحت أتأمل عدد الطلعات الجوية التي أغارت على حلب وحماة واللاذقية وريف دمشق، وتغير الآن على إدلب، وعدد القذائف المدفعية، وعدد الهجمات الكيماوية، دون أن تخرج طلعة غربية واحدة محملة بالحلوى والمأكولات والملابس للشعب السوري العريق الذي كان يصنع أجمل الحلوى والمأكولات والملابس!

A A
في مثل هذه الأيام تقريباً من العام 1948 بادرت الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا بتشغيل جسر جوى يقذف بالحلوى والمأكولات على رؤوس الشعب الألماني. جاء ذلك رداً على الحصار الاقتصادي الذي فرضه «الاتحاد السوفيتي» بزعامة جوزيف ستالين على برلين، فيما سمي بحصار برلين. كان ستالين حينها يرد على قيام برلين الغربية بتداول المارك الألماني، ومن ثم فقد أشعلها حرباً طاحنة تستهدف التجويع حيث لا خبز ولا سكر ولا بروتين ولا طحين!.

تذكرت ذلك، وأنا أتابع انشغال ورثة أو تلامذة ستالين بتوزيع «قاذفات الموت» على إدلب وغيرها من قرى ومدن سوريا!.

لن أتحدث عن الحليف الروسي الشجاع من وجهة نظر البعض أو الجبان من وجهة نظر البعض الآخر، لكني سأتحدث عن أطفال إدلب الذين باتوا على موعد قريب مع قاذفات النابالم!.

هكذا بتنا نعرف مقدماً مواعيد وجدول القاذفات والصواريخ والراجمات والغارات على رأس سوريا من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها! وهكذا لم يعد يعنينا أو يؤلم بعضنا أعداد الضحايا ومشاهد الأطفال منهم.. باتت تلك الصور، مشاهد يومية عادية!

كنت أقرأ تقريراً مثيراً في «الشرق الأوسط» روت فيه «فيرا هيمر لينغ» ذات الـ 84 عاماً كيف كانت طواقم الطائرات تسقط مظلات تحمل الحلوى والألعاب للأطفال والمأكولات الغنية بالسعرات اللازمة للكبار! وخلال أكثر من 28 ألف رحلة جوية انطلقت في 26 يونيو 1948 تم نقل أكثر من مليوني طن من البضائع جواً لمساعدة سكان المدينة للبقاء على قيد الحياة!.

رحت أتأمل عدد الطلعات الجوية التي أغارت على حلب وحماة واللاذقية وريف دمشق، وتغير الآن على إدلب، وعدد القذائف المدفعية، وعدد الهجمات الكيماوية، دون أن تخرج طلعة غربية واحدة محملة بالحلوى والمأكولات والملابس للشعب السوري العريق الذي كان يصنع أجمل الحلوى والمأكولات والملابس!

كانت طائرات الحلفاء التي تتولى إنقاذ أطفال وأسر برلين عام 1948 تهبط وتقلع كل 90 ثانية، حيث قطعت 175 مليون كيلو متر أي ما يقرب من الدوران حول الكرة الأرضية 4400 مرة، فمن ينقذ أطفال إدلب الآن من عيشتهم المُرة؟!.

يتغير الحلفاء، ويصبح الأعداء أصدقاء، ويصبح الأصدقاء أعداء.. تتغير السياسات والأطقم الرئاسية، بل والأحزاب الحاكمة، ولا يتغير حجم القاذفات المستهدفة للدول العربية، وللأمة الاسلامية! لا نريد قذائف حلوى، ففي حلوقنا مرارات ومرارات.. لا نريد قاذفات مأكولات، فنحن نأكل في أنفسنا منذ سنوات! فقط ارحمونا من قذائفكم المهلكة للأطفال والنساء.. للزرع والنسل!

من يأتي الآن لأطفال إدلب بطيار أمريكي على غرار «جيل هالفورسين» الذي كان وراء فكرة الجسر الجوي، والذي أطلق عليه أطفال برلين «العم ويجلي وينجز»!، من يتجرأ في الغرب الآن على مواجهة «قذائف الموت» الروسية، بقاذفات حلوى لأطفال إدلب؟! أغلب الظن أنهم مشغولون بمتابعة ما سوف تسفر عنه «الطلعات الأمريكية الاقتصادية» مخافة أن يمتد تأثيرها ليس لبرلين وحدها، وإنما للندن وباريس، وبقية «الحلفاء»!

كنت أتابع مشهداً لأب مكلوم في إدلب.. أراد أن يتكلم للمراسل فضاعت منه العبارة.. خانه صوته وهو يتسلم جثة طفله.. فحاول الإيحاء بالإشارة! صمت تماماً قبل أن يطلق صرخة في السكون.. علها تتردد في السماء الأممية التي تناور بالإنسانية.. أو تتاجر بها أو فيها.. أو تخون!

أخيراً.. هذه ليست محض مشاعر أو هلاوس أو تهيؤات أو كلمات متقاطعة.. لاحظ طبيعة الهجمات السياسية والاقتصادية، وتبادل الأدوار الأمريكية والروسية.. وظروف الضرب في سوريا، ومواعيد الحرب أو الحرق في غزة.. ثم لاحظ سيولة التحالفات.. وتغير المناخات.. واهتزاز البورصات.. ولا تنس فروق التوقيت!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store