Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

هل تُكرّم المروءة؟!

A A
* وسط ضجيج أسواق المتاجرة بالدم، التي ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة.. ومن بين الأرقام المليونية الجشعة، التي تبيع وتشتري في رقاب الناس ودمائهم وضمائرهم، برزت الأسبوع الماضي صورة مضيئة للفارس العربي الشهم، والمسلم النبيل الذي يرفض الملايين ثمنًا لدم وليّه- رغم رقة حالة وضعف موارده المالية- ثم يعفو بشهامة العرب وأخلاقياتهم عن قاتل ابنه على الملأ؛ ومن ساحة القصاص لوجه الله تعالى، ليثبت للناس أن الكلمة العليا في النفوس العظيمة ليست للمال، بل للأخلاق الكريمة والمبادئ الإنسانية والإسلامية.. وأن قيمة الإنسان الحقيقية في أخلاقياته مهما بلغ منه الفقر، ومهما كانت ظروفه.

* خمسون مليون ريال بالتمام والكمال طرحت أمام هذا الشيخ الوقور، لكنه تعفّف عنها وهو من يعيش على الكفاف، وتنازل طوعًا يوم الأحد الماضي عن قاتل ابنه بلا مقابل، ابتغاء ما عند الله، في مشهد لا يتكرر كثيرًا في عصر الماديات.. هكذا هم النبلاء وأهل المكارم والشهامة وعزة النفس، لا تغير الأموال مبادئهم، ولا يهزمهم فقر أو حاجة.

* الشيخ محمد بن دواس البلادي الذي تناقلت اسمه حتى وكالات الأنباء العالمية الأسبوع الماضي هو حكاية يجب أن تروى للأجيال في زمن المتاجرة بكل شيء، وصورة سعودية مشرقة يحب أن تُبرز في عصر غياب القدوات.. أب مكلوم فقد ابنه قتيلًا قبل فترة، وكأي حالة مشابهة حامت حوله طفيليات المتاجرة بالدماء عارضة عليه مبلع 50 مليون ريال.. لكن العربي النبيل الذي يأنف أن يأكل من دم ابنه يرفض كل هذه الأموال قائلًا: «عشت طوال عمري فقيرًا، فبماذا سينفعني المال الآن».. إنه درس عملي في الإنسانية والكرامة وعزة النفس يجب أن يُعزز ويُكرم ويُقتدى به.

* كلنا ثقة أن حكومتنا الكريمة التي اعتادت على تعزيز الأفعال الكريمة وتكريم أصحابها، سواء من ينقذ نفسًا من الموت.. أو من يتبرع بدمه للناس.. أو من يقدم للوطن أو المواطنين عملًا جليلًا، لن تنسى هذا العمل الشجاع؛ وستقوم بتكريم صاحبه على أعلى المستويات وبالشكل الذي يليق به، وتحقيق احتياجاته الأساسية من مسكن وفرص عمل كريم وخلافه، تعزيزًا لفضيلة العفو عند المقدرة، وقطعًا لدابر تجار الدم، وحتى يصبح هذا الفعل النبيل هو القاعدة وغيره الاستثناء.

* تكريم محمد بن دواس البلادي من قبل الجهات الحكومية هو تكريم للشهامة والمروءة والنبل والكرم في شخصه، وتحريض على الاقتداء بهذا الفعل الكريم الذي أصبح نادرًا جدًا اليوم، ونبذ في الوقت نفسه لتجار الدم الذين أوصلوا الأمر إلى أرقام فلكية ومزايدات رخيصة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store