Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

الصين والمسلمون و«شرائح السجق»!

A A
تمضي الصين بل تجري في الدول العربية الأفريقية والآسيوية، طارحة بضاعتها، وبانية مصانعها، ومرسية للموانئ التابعة لها، ومطلقة قطاراتها، ومتحكمة في قواعدها العسكرية، دون مضايقات تذكر من سكان هذه الدول الذين هم في غالبيتهم مسلمون!. هكذا تسرح بكين وتمرح في بلاد العرب والأفارقة والآسيويين المسلمين الذين يرون فيها صديقاً معتبراً أقل حدة في أطماعه، وتطلعاته، من الآخرين الذين يعتبرهم البعض مستعمرين!.

وعلى المستوى الشخصي أحب الصين وأحب بلادي العربية والمسلمة، لكن حبي للحق أو ما أظنه كذلك أقوى وأشد!،

والحق أن تقرير لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، الخاص باحتجاز الصين لنحو مليون شخص من أقلية الأويغور المسلمة في معسكر احتجاز ضخم محاط بالسرية، آلمني كما آلم غيري من ملايين المحبين!.

ويزيد من حجم الألم ما ذكرته عضو اللجنة جاي مكدوجل، عن تقديرات ترجح أن نحو مليونين من الأويغور والأقليات المسلمة أُجبروا على الدخول في «معسكرات تلقين سياسي» في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم في غرب البلاد. بل إن مكدوجل تتهم الصين بالتعامل مع أفراد طائفة الأويغور المسلمة والمسلمين الآخرين بوصفهم «أعداء الدولة» وذلك فقط على أساس هويتهم العرقية والدينية.

أدرك، أن ما تفعله الصين في أقلية مسلمة، قد يكون أخف وطئاً مما تفعله دول مسلمة مع الأغلبية المسلمة، وأدرك أن الإسلاموفوبيا من الإسلام والمسلمين في بعض بلاد المسلمين باتت أعلى درجة منها في دول أخرى. أدرك ذلك وأكثر منه، لكن اللياقة السياسية والتجارة الذكية، تقتضيان من بكين مراجعة نفسها سريعاً، إذا كانت تصر على موقع الصدارة في الوجود السياسي والاقتصادي في أفريقيا تحديداً وفي العالم بصفة عامة.

لقد كان من اللافت استياء جماعة «المدافعين الصينيين عن حقوق الإنسان»، مما يجري وكيف أن 21%

من كل حالات الاعتقال المسجلة في الصين في عام 2017 حدثت في منطقة شينجيانغ. وكان من المثير للأسف والدهشة أيضاً أن الوفد الصيني المؤلف من 50 مسؤولاً لم يرد ولم يعلق على تصريحات مكدوجل خلال اجتماع لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري في جنيف!.

ولأن الوفد الحقوقي الأممي الصيني لم ينفِ التهمة، ولم يشأ الدفاع عن قضية واضحة أمام العالم، فقد آن الأوان لأن تقول المنظمات العربية والافريقية والآسيوية الحقوقية ولا أقول الإسلامية، كلمتها في هذا الملف، غير الشائك وغير الملتبس، وغير الحرج، قياساً بملفات أخرى محرجة!.

لقد تزامن مع نشر أو انتشار تقرير الأمم المتحدة، ورود أخبار من بكين عن إرجاء السلطات الصينية لهدم مسجد في ويتشو شمال البلاد، بعد موجة من الاحتجاجات الداخلية، والحق إنني تمنيت إلغاء الهدم وليس إرجاؤه حتى لا تنهدم مشاعر المسلمين داخل وخارج الصين. استوقفتني كذلك رسالة مهذبة صادرة عن مسجد في مقاطعة شانجي على موقع «ويبو» الصيني للتواصل الاجتماعي، جاء فيها: «ننتظر بهدوء لنرى هل حُلّت المشكلة في طريقة مُرضية. إذا لم يحدث ذلك، نحتفظ بحقنا القانوني في الذهاب إلى (مقاطعة) نينغشيا، أو تقديم التماس إلى الحكومة المركزية». إنه تهذيب الإسلام، وحرصه على الصبر الجميل، والتعامل بالحسنى وزيادة، فهل يشهد أعضاء الوفود التجارية والصناعية والعسكرية والسياسية التي تمرح في أفريقيا وآسيا بذلك؟!

يقول الخبراء، إن الصين تعتمد في تغلغلها بأفريقيا على التغيير الناعم طبقاً لإستراتيجية صاغها المفكر الهندي (برهما تشيلاني) وهي ما تعرف بإستراتيجية (تقطيع شرائح السجق) والتي تقوم علي أن تظل التحركات الصينية خفيفة وبطيئة ولا تشكل استفزازاً، إلا أن مجموع هذه التحركات يصنع تغيراً إستراتيجياً على الأرض! فهل يمكن للتجار والصناع والساسة الصينيين الذاهبين لانتهاج نفس النهج؟ وهل يمكن للقادمين منهم من بلاد المسلمين أن يدلوا بدلوهم في خطورة تسميم (شرائح السجق)؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store