Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

لماذا تهاجر العقول العربية المبدعة؟

A A
دون شك أن وطننا العربي يزخر بالكثير من العقول المبدعة والتي برزت إبداعاتها ومخترعاتها في الدول المتقدمة التي قدَّرت تلك العقول ودعمتها بكل ما تريد واستثمرتها في مختلف المجالات الحياتية. ونسمع كل يوم بمثل تلك العقول التي هاجر البعض منها الى غير رجعة، بينما كان من المستوجب أن تُستثمر في أوطانها لتبني قاعدة علمية ينطلق من خلالها أبناء الوطن، لكن الذي حدث ولا زال يحدث أن تلك العقول تُستقطب من الغير بل والمحزن أنها تُحارب بصورة مباشرة أو غير مباشرة من أبناء جلدتها أو من المنتفعين في تلك البلدان من غير أبنائها، ولعل أبرز الأسباب التي دفعت بتلك العقول إلى الهجرة هي:

الأوضاع المضطربة التي يعيشها المجتمع العربي وفي ظل الممارسات الفسادية المتنامية التي تنخرجسده المترهل بتلك الممارسات، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية، حيث يبقى الفكر الشاب المتوشّح بسلاح المعرفة البناءة المتفاعلة المتجددة شبه موءود من قبل المتوشحين بالأقنعة الملوّنة الذين يختبئون خلف سلطتهم وكراسيهم المتجذرة ليمارسوا دورهم اللامحدود في ذلك الوأد من خلال سدّ الأفق وتعطيل المسارات كي يحلو لهم المكان لممارسة حبهم الأبدي للعلو على الاكتاف والغلو في الالتفاف على كل من هو مبدع وجديد حتى لا توقد شمعة قد تضيء مسارب ذلك السواد الحالك الذي يحجب خلفه الكثير من المستور.. إنها حالة تقادم وجودها وحان الوقت المناسب لزوالها وبدء مرحلة جديدة يحتل فيها الفكر المبدع والعقل الرزين والسلوك الوسطي مكان الصدارة حتى تلتفت الأمة الى الأمام وترى المستقبل، إنها حالة محزنة دعت بالكثير من المبدعين والموهوبين أن يعيشوا عند مفترق طرق لا خيار لهم غيره وهو إما أن يهاجروا بفكرهم المبدع إلى أمم أخرى تحترم وتقدّر وتشجّع ذلك الفكر فتمنحه كافة الدعم المادي والمعنوي وبالتالي يصبح مُلكاً لها تتخذ منه منطلقاً جديداً للنمو والانطلاق الحضاري وإما أن يوأد ذلك الفكر وتسدّ منابعه فيموت قبل موت صاحبه.

استثمار البعض لذلك الفكر المبدع ليحوله باتجاهات أخرى سلبية تخدم الشّر وتبني مساراته والأمثلة على كل ذلك كثيرة ومتعددة ومختلفة في صورها وسيناريوهاتها.

سعي الدول المتقدمة لاستثمار تلك العقول واصطيادها على سبيل المثال لا الحصر ما ذكره التقرير الإقليمي لهجرة العمل الذي ‏أعدّته الجامعة العربية بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان عام ‏‏2009م وبيّنته نشرة أفق الإلكترونية التي تصدرعن مؤسسة الفكرالعربي في عددها 41 يقول التقرير:

‏إن فرنسا تستقبل 40% من العقول العربية المهاجرة وأمريكا 23% ‏وكندا 10%، وتكشف دراسات أخرى للجامعة العربية أن 54% من ‏الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم ‏الأصلية وأن الأطباء العرب في المملكة المتحدة يمثلون 34% من ‏اجمالي عدد الأطباء هناك وأن 50% من الأطباء و23% من ‏المهندسين و15 من العلماء يهاجرون إلى أوروبا وأمريكا وأن أكثر ‏من مليون خبير عربي مختص من حملة الشهادات العليا والفنيين ‏المهرة يعملون في الدول المتقدمة، كما يقول التقرير إن اجمالي ‏الخسائر والأضرار المقدّرة لهجرة تلك العقول لعام 2003م بلغت أكثر من 300 ملياردولار، ويفيد التقرير أن حالة التّنامي لتلك ‏الهجرة بلغت عام 2010م مليون دماغ مبدع، وذكر التقرير أيضاً أن دراسة أعدها مركز الخليج للدراسات ‏الإستراتيجية قالت إن الكثير من الدول المتقدمة كأمريكا مثلاً تشجع العقول ‏والأدمغة العربية كإصدار الكونجرس قراراً برفع عدد بطاقات الاقامة ‏للمتخرجين الأجانب في مجال التكنولوجيا المتقدمة من 90 ألفاً إلى ‏‏310 آلاف.

‏ما طرحته سلفًا هو جزء من التقرير ولنا أن نتوقّف عند محتواه من ‏الأرقام المذهلة والمخجلة التي تؤكد على مدى الحرب الشعواء التي ‏يشنها بعض القائمين على المجتمعات العربية على العقول المبدعة ولنا ان ‏نتوقّف كثيراً عند من استثمرذلك الفكر في الإضرار بأمن الأوطان ‏وتخريبها ولنا أن نتوقّف كثيراً عند الكثير من العقول المبدعة التي تعيش بيننا ‏في العالم العربي بعد أن ضمرت عقولها ووُئدت حية وانتهى بها ‏المطاف إلى الوفاة قبل أصحابها!.

إنها دعوة أوجهها من خلال هذا المنبر المتواضع أن يلتفت القائمون ‏على الأمر في مختلف أوطاننا العربية لاستثمار تلك العقول في البناء ‏وأن تتولّى جامعتنا العربية الاتجاه إلى فتح المسارب ‏الفكرية التي تخدم تلك العقول وتفتح الأبواب أمامها وليكن ذلك منطلقاً ‏جديداً لجامعتنا العربية الموقرة لتفتح آفاقًا جديدة ترفع أسهمها بعد أن ‏عانت من نواتج الفشل في خدماتها السياسية والاجتماعية والله تعالى ‏من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store