Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

ماكرون يعتذر للجزائريين.. فمَن يعتذر لإدلب وفلسطين؟!

إضاءة

A A
فيما يترقب العالم الحر وغير الحر موعد حرق إدلب، وما إذا كان سيكون بالغاز أو بوسيلة أخرى، خرج الرئيس الفرنسي «ماكرون» ليعترف بمسؤولية فرنسا عن عمليات التعذيب والإخفاء القسري التي جرت في الجزائر أثناء الاحتلال.

مع ذلك، ومع التقدير لخطوة «ماكرون»، التي جاءت لتُذكِّر الشعوب البائسة واليائسة بقِيَم التمسك بالحق والعدل والكرامة، يظل سجل الاعتذارات الاستعمارية خاليًا أو خاويًا، مقارنةً ببشاعة ما فعلوه ويفعلونه الآن بالشعوب العربية والإفريقية.

كنت أقرأ للتو أطروحة للكاتب «عبدالعزيز فهمي» في العدد ٦٣ من مجلة المجلة المصرية، الصادرة في أبريل ١٩٦٢ بعنوان: «الجزائر المنتصرة في بداية الاستقلال»، كان الكاتب يستعرض فيه نصوص اتفاقية «إيفيان» التي وُقِّعت بعد توقف القتال بين قوات الاستعمار الفرنسي وقوات جبهة التحرير الجزائرية ظهر يوم ١٩ مارس ١٩٦٢.

أدركت وأنا أقارن بين اتفاقيتي «إيفيان وأوسلو»، الفارق الشاسع بين اتفاقيات تمنح الأمل للأجيال، وأخرى تُضيِّع الأوطان. اتفاقيات تمنح حق العودة والحرية، والكرامة والحياة، وأخرى تعطي للموقِّعين على الفور شهادات وفاة!

في العدد نفسه من مجلة المجلة المصرية الصادرة في أبريل ١٩٦٢، كان الناقد «فؤاد دوارة» يستعرض الحوار البديع في مسرحية «مأساة جميلة»، للأديب الفذ «عبدالرحمن الشرقاوي»، وكأن الأخير -رحمه الله- كان يتوقع ما سيفعله «ماكرون» عام ٢٠١٨!

يقول «جاسر» بطل المسرحية أثناء محاكمة جميلة:

دولة الصياد عادت لا تُبالي بحكيم أو شجاع.. والمسوخ الشائهات اليوم تستل النخاع.. من رؤوس الحكماء.. إنه عصر الأفاعي.. عصر مصاصي الدماء.

ويمضي البطل الجزائري في رائعة «عبدالرحمن الشرقاوي» قائلًا:

كل شيء شاحب من حولنا مضطرب، لا بل وكاذب، وقميء وزري، العقارب وثبت تنهشنا من كل جانب، ومعاني الحب جفت والخمائل، سحل الذئب عليها والرذائل تسكر الآن بأعصاب الوجود.. زمن الرعب يعود.

هنا يقف البطل أو المحامي الفرنسي «فيرجيه» الذي تطوَّع للدفاع عن «جميلة»، هاتفًا في وجه القضاة الفرنسيين:

«لكنكم بسلوككم هذا تُهينون الحضارة والعدالة والحياة.. وستغرسون مرارة أبدية في كل قلب.. وتؤلِّبون تجاهنا أطفال إفريقيا وآسيا والعرب.. ماذا تراهم يذكرون عنَّا إذا كبروا غدًا.. ماذا تراهم يذكرون.. أنتم بهذا تُغلِقُون فرص التسامح في قلوب شبابهم وشبابنا، وتُلطِّخون جبيننا.. وتُشوِّهون تراثنا».

لقد كان من المفترض أن تظل التجربة أو الملحمة الجزائرية هي النموذج العملي الحي لكل الشعوب المطالبة بحقها في الحرية والاستقلال.. ولأن المستعمرين الجدد هم الذين استوعبوا التجربة، فقد جاءوا أو ربّوا وكلاءهم في المناطق المستهدفة تجنبًا للاعتذار!

لدينا أو لديهم الآن وكيل شرس في سوريا، يذبح ويحرق ويُعربد ولن يعتذر.. بل إننا بدأنا نعتذر له! ولديهم وكلاء رسميّون، بل هُم وكلاء رسميون لكيانٍ يحتل دولة اسمها فلسطين، وستظل كذلك إلى يوم الدين.

وقبل هذا وبعده لديهم داعش جاهز، يضرب ويُفجِّر بلا هوادة إذا تلعثم الوكلاء.

هل ستنتظر الشعوب التي ترزح تحت وكلاء المستعمرين سنوات طويلة كتلك التي مرت منذ استقلال الجزائر حتى يعتذر لها المستعمرون؟!.

وإذا كان الاعتذار يُجدي في حالات التعذيب والإخفاء القسري بالنسبة للبشر.. فهل يُفيد في حالات سرقة العواصم والأوطان، وهل سيتم رد السرقات ولو بعد حين؟!.

فتِّش عن الوسطاء والموقِّعين!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store