Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

كفاح الناجحين يغري المادحين!

الحبر الأصفر

A A
حِينَ كَان عُودي طَريًّا، اشتَريتُ بسَذَاجَة كِتَاباً بعنوَان: «أَسرَار النَّاجحين»، مُعتَقداً بأنَّني سأُحقِّق النَّجَاح؛ قَبل أَنْ أُكمِل قِرَاءة الكِتَاب. لَكن خَيبَتي كَانت كَبيرة، حَيثُ اكتَشفْتُ بأنَّني اشتَريتُ 400 وَرقَة عَن القهوَة، التي يَشربهَا أَحَد رِجَال الأَعمَال، والدِّيكور الذي اختَاره أَحَد «المليُونيريِّين»، وعَدَد سيَّارات أَحَد «المليَارديريِّين».. إلخ. وفِي النِّهَايَة تَأكَّدتُ أَنَّ مُؤلِّف الكِتَاب؛ هو الذي حَقَّق النَّجَاح؛ بسرقة دَرَاهِم اليَتيم..!

تِلك التَّجربَة، عَلَّمتني أَنْ أَبحَث وأَسأَل عَن بِدَاية طَريق النَّجَاح، ولَيس نِهَايته، لِذَا تَعَالُوا مَعي لنَفْحَص بَعض المَقولَات؛ التي قِيلت عَن النَّجَاح، لنَفرزَ الخَبيثَ مِن الطَّيِّب..!

قَال أَحَد الحُكمَاء: (إنَّ النَّجَاح مِثل النّفوذ ومِثل الصحَّة، يُمكن أَن يُسَاعِد فِي الحصُول عَلَى السَّعَادَة، والطَّمأنينَة والانشرَاح، إذَا لَم يَكُن الغَرَض مِن النَّجَاح تَكديس الأشيَاء، والاستحوَاذ عَلَى المَنَاصِب والمَكَاسِب)، فتَحقيق النَّجَاح إذاً مَرهونٌ، بتَحمُّل المَسؤوليَّات المُترتِّبَة عَليهِ تِجَاه أَنفسنَا، وتِجَاه الآخَرين..!

كما قَال أَحَد خُبرَاء تَطوير الذَّات: (إنَّ النَّجَاح يَجرُّ القوَّة والنِّفوذ، والمَال والجَاه، وتَكمُن السَّعَادَة فِي استخدَام هَذه الأمُور استخدَاماً حَسناً)، فلَا تَتوقَّف فَوَائِد النَّجَاح عَلَى تَحقيق المَكَاسب، وجَنْي الأَربَاح، والإحسَاس بالتَّفوُّق، بَل إنَّ النَّجَاح -أَيضاً- يُحقِّق الرِّضَا عَن الذَّات، وبالتَّالي يُحقِّق السَّعَادَة..!

يَا قَوم، لَا تَتوقَّعوا أَنَّ للنَّجَاحِ طَريقٌ وَاحِد، بل هو مُتعدِّد بتَعدُّد زَوَايَا النَّظَر إليهِ، فإذَا كَان صَاد مِن النَّاس؛ قَد نَجحَ بذَكائه واجتهَاده، فإنَّ سِين مِن البَشَر؛ قَد نَجحَ لَيس لتَفوّقه، بَل لردَاءة الآخَرين، وهَذَا مَا لَخّصه الفَيلسوف «لابروبير» حِينَ قَال: (بَعضُنَا يَنجح بذَكائهِ، وبَعضُنَا يَنجح بغَبَاءِ الآخَرين)..!

واعلَم عَزيزي القَارئ، أنَّكَ إذَا غَامرتَ فِي هَذه الدُّنيَا، فإنَّك أَمَام طَريقين: إمَّا النَّجَاح وإمَّا الفَشَل، ولَكن الفَلَاسِفَة يَمنَحونَكَ خِيَاراً ثَالِثاً، وهو أنَّكَ لَستَ مُضطراً للبَحث عَن النَّجَاح، بقَدْر مَا أَنتَ محتَاج إلَى تَجنُّب الفَشَل، والابتعَاد عَن مُحيط الفَاشلين، لذَلك يَقول أَحَد أَسَاتذة النَّجَاح: (لَا شَيء يُنمّي قُدرة الرَّجُل عَلَى النَّجَاح، أَكثَر مِن إصرَاره عَلَى عَدَم الفَشَل)..!

فالنَّجاح لَه شرُوط، اختصرهَا الأَديب الكَبير «شكسبير» حِينَ قَال: (لتُحقّق النَّجَاح، عَليكَ أَوَّلاً أَنْ تَكون أَعلَم مِن غَيرك، وعَليكَ ثَانياً أَن تَعمَل أَكثَر مِن الآخَرين، وعَليكَ ثَالِثاً أَنْ تَتوقَّع أَقلّ مِمَّا يَحصل عَليه الآخَرون)..!

وأَخيراً ولَيس آخِراً، أَكثَر العُقلَاء يَستفيدون مِن الفَشَل، ويَعتبرونه البوَّابة الحَقيقيَّة للدّخول إلَى عَالَم النَّجَاح، فأَنتَ إذَا لَم تَفشَل؛ لَن تَتوصّل إلَى طَريق النَّجَاح، وهَذا المَعنَى أَكَّده الرَّئيس الأَمريكي الأَسبَق «نيكسون» حِينَ قَال: (مَن لَا يُغَامر فِي الفَشَل، لَا يُحقِّق النَّجَاح)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: إذَا نَجحَ الإنسَان، فإنَّ إحسَاسه بالنَّجَاح؛ يَجعله يُواصل السَّير فِي مَوكب المُتفوِّقين، وكَمَا أَنَّ الطّيور عَلَى أَشكَالها تَقَع، والشَّبيه يَنجَذب إلَى شَبيهه، فإنَّ النَّجَاح يَفعل ذَلك أَيضاً، وقَد اختَصرَ الحِكَاية الفَيلسوف «نيكولا شامفور» حِينَ قَال: (النَّجَاح يَجرُّ النَّجَاح، كَمَا يَجرُّ المَال المَال)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store