Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

كل صباح سعيد هو يوم عيد

الحبر الأصفر

A A
أَشعُرُ بسَعَادةٍ غَامِرَة، كُلَّما رَاودتني فِكرة جَديدة، تُريد أَنْ أُفسِح لَهَا مَكَاناً فِي سِلسلة مَقَالَاتي عَن السَّعَادَة، مِمَّا يُشجِّع المَزيد مِن الأَفكَار السَّعيدَة، للقَفز إلَى طَاولتي، فأَضطرُّ لاستدعَاء القَلَم والوَرقَة لفَكِّ الحِصَار، ووَضع حَدٍّ لتَمرُّدِ الأفكَار، تَمهيداً لإحَالتهَا إليكُم، فأَكرموا وفَادتهَا..!

إنَّ مَفهوم القَنَاعَة؛ مِن الفَضَائِل التي يُشوّهها العَاجِزُون، حِين يُوارون سَوءَاتهم بردَاءِ القَنَاعَة، ولَيس أَمَامنَا إلَّا الرَّهَان عَلَى الزَّمن، لكي يُعيد الاعتبَار لمَفهوم القَنَاعَة، فهي رُكنٌ أَصيل مِن أَركَان السَّعَادَة، وهَذه الفِكرَة يُؤيِّدها قَول أَحَد الحُكمَاء: (القَنَاعَة، أَنْ تَرضَى بِمَا قَسمَه الله لَك، والسَّعَادَة بِمَا قَسمَه للآخَرين). فالسَّعَادَة نَظَافَة شَامِلَة، ولَكَ أَنْ تَختَار مَا شِئت مِن المَجَاز، مِثل ذَلك الحَكيم الذي قَال: (يَشعُرُ بالسَّعَادَة مَن يَغسل وَجهه مِن الهمُوم، ورَأسه مِن المَشَاغِل، وجَسده مِن الأَوجَاع)..!

إنَّ السَّعَادَةَ ثَروةٌ مُتجدِّدة، ولَيست ثَروَة نَاضِبَة كالنَّفطِ والغَاز، وغَيرهمَا مِن الثَّروَات، وقَد فَطِنَ إلَى ذَلك أَحَد الأُدبَاء فقَال: (السَّعَادَة مَوجودة فِي كُلِّ شَيء، وفِي كُلِّ مَكَان، المُهم أَنْ تَعرف كَيف تَستَخرجهَا، وكَيف تَستَفيد مِنهَا)..!

أَكثَر مِن ذَلك.. في أَثنَاء انتظَارك، يُصبح كُلّ شَيءٍ مُعرَّضاً للانصهَار، ولَو كَان مِن الفُولَاذ، وأَذكُر أَنَّني قَرأتُ قصّة رَجُلٍ؛ انتَظرَ كَثيراً حَتَّى نَسيَ مَا يَنتَظر، لِذَا يَبدو الانتظَار أَشبَه بالأَلَم أَو القَلَق، وكِلَاهُمَا يَتنَافيَان مَع مَفهوم السَّعَادَة، وقَد بَسّط هَذه الفِكرَة أَحَد الأُدبَاء فقَال: (أَسعَد النَّاس مَن لَا يَنتظر شَيئاً مِن أَحَد)..!

السَّعَادَة يَا قَوم، هِي الحَدّ الفَاصِل بَين التَّوجُّس والنُّضج، لِذَلك أَطرَبني أَحَدُ المُفكّرين العَمَالِقَة حِينَ قَال: (بَعض النَّاس، يَنظرُون إلَى مَا يَطرَأ عَلَى حيَاتهم مِن تَغيُّرات، عَلَى أَنَّه تَهديد لَهم، أَمَّا الإنسَان النَّاضِج، فإنَّه يَعلم أَنَّ الحيَاة مَزيجٌ مِن السَّعَادَة والشَّقَاء، والنَّجَاح والإخفَاق، ولهَذا يَتكيَّف مَع كُلِّ الظّرُوف، ويَجد نَوعاً مِن السَّكينَة فِي كُلِّ الأحوَال)..!

وأَخيرًا، لكُلِّ شَيءٍ مُحبُّ وكَاره، مَهمَا كَان جَميلاً. حَتَّى المَطَر، هُنَاك مَن يُحبّه ويَكرهه، وهُناك مَن لَديه حَسَاسية مِن الزّهُور، فمَاذَا عَن السَّعَادَة؟، هَل هُنَاك عَدو لَدود للسَّعَادَة أَيضاً؟، أَجَاب أَحَدُ المُفكِّرين عَن هَذا السُّؤال قَائِلاً: (الكَسَل الذِّهني وعَطَالة عقُولنا؛ مِن الاهتمَام بأَشيَاءٍ نَافِعَة ومُهمّة، تُوقِعنَا فِي المَلَل، والذي هو العَدو الأوَّل للحيَاةِ السَّعيدَة)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: يَتَّفق العُقلَاء عَلَى أَنَّ العَمَل -أَي عَمَل- مِن أَهمّ مُوجبَات السَّعَادَة، وهَذا المَعنَى شَرحه أَحَدُ الأُدبَاء -ببسَاطَة- فقَال: (إنَّ أَي عَمَل شَريف وبأَي أَجر، يُمكن أَن يُؤمِّن للوَاحِد مِنَّا دَرجةً مِن السَّعَادَة، أَفضَل مِن الوَضعيَّة النَّفسيَّة؛ التي يَكون فِيهَا فِي حَالَة البَطَالَة والفَرَاغ)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store