Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

الدنيا لمن: لناس بعد ناس!

بانوراما

A A
هناك مثل شهير كان الوالد رحمه الله دائماً يردده هو: «سألوا الدنيا أنتِ لمن؟.. أجابت لناس بعد ناس».

تذكرت هذا المثل بعد انتهاء زيارتي لجامعة ويلز فرع (أبريستويث) صيف هذا العام 2018م. كانت البداية من محطة (هيوستن لندن) لقطارات الشمال، في رحلة تستغرق أكثر من ست ساعات مع توقف لتغير القطار في مدينة شيزبري -من منِّ الله وكرمه حصلت على شهادة الدكتوراه في الإحصاء التطبيقي من كلية العلوم قسم الرياضيات والإحصاء وبحوث العمليات في هذه الجامعة العريقة نهاية صيف عام 1991م-، وحال وصولي الى المدينة الجامعية الواقعة في حي -بنق لايز- ذهبت الى مبنى الفيزياء المكون من خمسة طوابق، حيث غرفتي في الدور الخامس (Room-G5). المكان هو المكان، غير أن الوجوه غير تلك التي أعرفها، الجميع حتى المستخدَمون الذين كانوا يقومون بمهمة نظافة وصيانة المبنى وكنت أطلق على أحدهم (العم جيمس)، لكبر سنه، لم أعد أعرفهم. ذهبت بعدها الى الدور الرابع، حيث مكتب المشرف على فرع الجامعة أستاذ الرياضيات البحتة البروفيسور موريس -عراب برنامج الإشراف المشترك مع جامعة الملك عبد العزيز للدراسات العليا للطالبات عند بدايته في نهاية الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي-،أقول ذهبت الى المكتب لأسأل عنه قيل لي: البقاء لله. ومنها الى الدور الثالث حيث مكتب المشرفة على رسالتي البروفسورة (سيلفيا لوتكنز) وكان مكتبها يعج بطلبة الدكتوراه والماجستير، هي الأخرى «البقاء لله». وفي نفس الدور، هناك غرفة أستاذ إحصاء السلاسل الزمنية البروفسور (جون لين)، وبالمناسبة لين بالإنجليزية ترجمته -معبر أو طريق-، وكان أكثر طلبة (بروف جون) من الإخوة العراقيين وكانوا يطلقون عليه مداعبةً (جون طريق).. أقول هو الآخر «البقاء لله». أين (بروف جون باستر فيلد) أستاذ إحصاء المحاكاة الفذ، وكذلك (بروف ألن جون) في تخصص (بحوث العمليات)، وقبلهم بسنين عدداً (أبو الإحصاء وأمه) -كما كان يقال- وأعني به البروفسور(لندلي) أستاذ الإحصاء اللامعلمي والذي حصلت على الدكتوراه تحت إشراف إحدى طالباته،وغيرهم؟.. الكل غادر هذه الدنيا، سبحان الله الحي الذي لا يموت. الوحيد هو البرفسور(بيتر جونز) رئيس قسم الرياضيات في وقتنا ما زال على قيد الحياة، وهو متقاعد بمنزله في الثمانينيات من العمر. الجميل أن الجامعة قامت بتكريمهم بتسمية بعض قاعاتها بأسمائهم تخليداً لهم، إضافة الى وضع لوحات شرف داخل الكلية تحمل صوراً لهؤلاء العلماء الذين تخرج على أيديهم المئات من الطلاب والطالبات من جميع أنحاء، العالم وكتبهم ومؤلفاتهم ما زالت تُدرَّس إلى وقتنا الحاضر. والجميل أكثر وجدت لوحة شرف بها صورتي مع مجموعة من طلبة الدراسات العليا والمشرفين في عام تخرجي، وهو تقليد يُعمل به مع كل دفعة على وشك التخرج.

المهم رحل هؤلاء وبقيت أعمالهم أثراً شاهداً.

رحم الله شوقي إذ يقول:

وكنْ في الطريق عفيفَ الخُطى .. شريفَ السماعِ كريمَ النظر

وكنْ رجلاً إنْ أتوا بعدَه .. يقولون: مرَّ وهذا الأثر.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store