صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (القناعة كنز لا يفنى)، كما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. تذكرت هذا الحديث الشريف وأنا في الطريق إلى مطار أثينا في اليونان متجهاً الى مدينة نيس الفرنسية صيف هذا العام وبالتحديد السبت الرابع من أغسطس 2018م، والسبب محادثة مع سائق العربة الذي قام بتوصيلي إلى المطار الذي يبعد حوالي 25 كيلو متراً عن وسط المدينة. وعلى شاكلة -أتحملني أم أحملك- مع سائق المركبة، بدأت حديثي بسؤاله عن مدى رضاه عن الحياة المعيشية في اليونان خاصةً بعد الكارثة الاقتصادية، بدأ السائق حديثه عن الانهيار الاقتصادي الذي حل باليونان قبل أكثر من عامين وتسبب في زيادة الضرائب وارتفاع نسبة البطالة ونقص في الأجور وإفلاس كثير من الشركات والمؤسسات وأدى الى هروب المستثمرين ورؤوس الأموال الى الخارج، ومن باب المداعبة، قلت له: الأمر يعني أنه سوف لا يكون هناك ثري آخر غير الملياردير اليوناني المعروف أوناسيس، قال: لا ، قلت من؟، قال: أنا أغنى منه، أملك شقة سكنية وصحتي ممتازة ولدي زوجة مطيعة ولنا أبناء وبنات وأحفاد وراتبي من شركة التأجير لا بأس به بالكاد يكفي لتلبية احتياجاتي الضرورية مع تأمين صحي، وبالرغم من بلوغي السبعين من العمر إلا أنني أشعر برضا تام وسعادة كبيرة وكأني لازلت في عز شبابي، فما فائدة المال- والكلام للسائق- اذا ذهبت الصحة وراحة البال؟.
ما ذكره السائق صحيح الى حدٍ كبير، لأن القناعة في الرزق كنز مفقود عند الكثيرين، فمعظم الناس يظن أن الرزق هو المال فقط وغاب عنهم أنه أكثر من ذلك بكثير، فالرزق يعني الصحة والذرية والزوجة الصالحة والسعادة والعلم وحسن الخاتمة وغيرها، ولذلك يزداد عدم الرضا عند البعض من الناس إذا قلَّت قناعتهم بما رزقهم الله تعالى، وفي هذه الحالة تكون عيونهم فارغة وتزدري نعمة الخالق عز وجل، ومن كان فيه هذه الصفات لن يكون سعيداً أبداً لأن أصحاب القناعة والرضا هم أسعد الناس حتى وإن كانوا يعيشون على الكفاف.
قال أحد الحكماء: سرورُ الدنيا أن تقنع بما رُزقت، وغمُّها أن تغتمَّ لما لم تُرزق.
وصدق القائل:
هي القناعة لا ترضى بها بدلاً .. فيها النعيم وفيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها.. هل راح منها بغير القطن والكفن؟.
فالسعادة لن تكون ولو بمال قارون ما لم تقترن بالإيمان الصادق واليقين بأن الرزق مقسوم من عند الله.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
