Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
إبراهيم محمد باداود

كنزٌ لا يُقدَّر بثمن

A A
البعض يتجنب الجلوس مع كبار السن، ويعتقد أنه سيُضيّع وقته بهذا الجلوس مع أفراد يُعتَبرون من الماضي ولا يعيشون الحاضر، أو يطمحون لترقُّب المستقبل، فهم لا يفهمون لغة العصر، ولا يُدركون حجم التقدم التقني الذي نعيشه، وفي نفس الوقت فإن الموضوعات التي سيقومون بطرحها غالباً ما تتحدَّث عن أحداثٍ مضى عليها عشرات السنين، وقد لا يتم استيعابها من قِبَل جيل اليوم.

عندما تتاح لك فرصة الجلوس مع كبار السن، فاعلم أنها فرصة ذهبية وكنز عظيم، فاحرص على أن تستفيد منها، وأن تبدي كل الاحترام لذلك الشيخ الكبير، وتُقدِّر ما يقول، ولا تنكر عليه بشكلٍ خاطئ، بل تشكره على ما يطرحه من أفكار، وتتعامل معه كما تتعامل مع والديك، فتتلطف في الحديث وتستمع باهتمامٍ وتركيز، وتصبر على الإطالة إن وجدت، وعلى بعض الألفاظ التي قد لا تفهم، وليكن صدرك رحباً، فأمثال هؤلاء يعتزون بزمانهم، وبما واجهوه من تحدياتٍ عظمى.

إن الظروف الصعبة التي عاش فيها أجدادنا وآباؤنا، وما شملها من بساطةٍ في التعليم على مستوى المناهج أو المعلمين أو الوسائل التعليمية أو الأوضاع الاقتصادية، بل وكذلك مستوى التقنية الموجودة آنذاك والمواصلات، لم تمنعهم من الحصول على المعرفة، والتي لم تُدرَّس في المدارس، بل حازوها من الحياة وترجموها بأفعالهم وهي محفوظة اليوم في بعض الأمثال والحِكَم والقصص التي يسردونها، والدروس التربوية العملية والتي كثيراً ما يُقدِّمونها والتي ساهمت بشكلٍ كبير في صقل شخصياتهم وتنمية قدراتهم ووضعهم في المواجهة، مما ساعد على وجود جيل يعتز بشخصيته وماضيه، وبالإنجازات التي حققها في تلك الفترة.

بالأمس غرَّد رجل الأعمال المعروف (سليمان الراجحي) تغريدة في «تويتر» وهو من كبار السن الذين تجاوز عمرهم التسعين عاما -أطال الله عمره- قائلاً: «تجاوزت الـ90 عاماً من العمر، وعشت أزمنة الخوف والأمن، والجوع والغنى، وعقود الجهل والعلم، وما وصلت إليه بلادنا -ولله الحمد- من بسطٍ للأمن، وانتشارٍ للعلم، وحياة كريمة، يدعونا إلى شكر الله، والسمع والطاعة لولاة أمرنا، والسعي لوحدة الصف، واجتماع الكلمة، والعمل الدؤوب لما فيه نفع البلاد والعباد».

عندما تسمع مثل هذه الكلمات ممن تجاوز الـ90 عاماً، تعرف معنى الحياة الحقيقي، وتسمع صوت الحكمة والصدق من رجال كبار تحمَّلوا المشاق، وصبروا وكافحوا في زمنٍ صعب، وها هم يُقدِّمون لك في نهاية المطاف خلاصة تلك الحياة، ويُقدِّمون لك التوصية بما قد يساهم في نجاحك فيها، وذلك من خلال خبرتهم وتجاربهم الطويلة، وكأنهم بذلك يُقدِّمون لك كنزاً لا يُقدَّر بثمن.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store