Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

لا تتحيَّز إلا للحب المميَّز

الحبر الأصفر

A A
الحُبُّ لَيسَ مِيزَاناً دَقيقاً، فلَا تَلُم مَن يَكيل بمِكيَاليْن، حِينَ يَتعلَّق الأَمر بالحُبِّ، ولَا تُؤاخِذ مَن يَنظُر لشُؤون الحُبّ بمِنظارٍ مُختَلِف، كَمَا أَنَّ هَذَا المَقَال؛ لَن يَكون عَلَى قَلبِ رَجُلٍ وَاحِد، ولَا عَلَى قَلبِ امرَأةٍ وَاحِدَة.. فدَائِماً يَحَارُ النَّاس فِي الحُب، ومِن أَين يَأتي؟، أَهو حَالَة تَتولَّد عِند اللِّقَاء؟، أَم مَسأَلَة تَتطوَّر بَعد الصَّدَاقَة؟، لَيس هُنَاك إجَابَة مُحدَّدة، ولَكن الأَكيد أَنَّ بَعض الفَلَاسِفَة يَجزم مُعرِّفاً الحُب بقَوله: (الحُب الحَقيقي، هو صَدَاقَة اشتَعلَت فِيهَا النِّيرَان)..!

مسكِين مَن يَظنّ الحُبَّ شَهر عَسَل طَويلاً، أَو أَيَّاماً سُكَّريَّة المَذَاق مَدَى الحيَاة، لأنَّه لَو كَان كَذَلِك، لمَلَّ مِنه النَّاس، ولَكن الحُبّ -كَمَا عَرَّفه حَكيم- (دَاءٌ ودَوَاء، وجَنَّةٌ وجَحيم، وأَشوَاكٌ وأَزهَار).. لِذَا هُنَاك سُؤال يَطرَح نَفسه فِي هَذا المَقَام، يَقول: هَل الحُب ضَعف؟، بمَعنَى أَنَّه يُضعِف مَن يَقتَرن بِهِ ويُمَارسه؟، وقَد أَجَاب عَن هَذا السُّؤَال أَحَد الفَلَاسِفَة قَائِلاً: (إذَا كَان الحُب ضَعفاً، فهو ضعف القلُوب العَظيمَة)..!

أَكثَر مِن ذَلِك، سُئِلَ أَحَد الفَلَاسِفَة عَن الحُبِّ ومَاهيّته، فأَخَذَ نَفسًا عَميقًا، ثُمَّ قَال عَنه: (إنَّه أَعظَم لَذَّة، وأَعنَف أَلَم).. كَمَا سُئِلَ الفَيلسُوف «لاروشفوكو» عَن الحُب أَيضاً، فقَال: (الحُبّ، النِّسمَة الخَفيفَة التي تُطفئ الشَّمْعَة، هي نَفسها التي تُذكِي النَّار، كَذَلك الفِرَاق، يَقتِل الحُبّ التَّافِه، ويُغذِّي الحُب العَظيم)..!

والرّوح دَائِماً تَحتَاج إلَى تَغذيَة، وقَد اختَلَفَ النَّاس فِي هَذا الغذَاء، وصَار مِن الصّعوبَة حَصْر تِلك الأَغذيَة الرُّوحيَّة، غَير أَنَّ أَحَد الفَلَاسِفَة جَزم فقَال: (لَا شَيء يُغذِّي الرّوح؛ خَيراً مِن الحُب بمَعنَاهِ الوَاسِع، فإذَا انعدَم الحُب، أَصبَحت الدُّنيَا قَبراً، وإذَا صَحّ أَنَّ المَجانين فِي نَعيم، فإنْ مُتعة جنُون الحُب لَا مَثيل لَهَا)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقَي؟!

بَقي القَول: الحُب لَا يُغيِّر خَارطَة الأَشيَاء فَقَط -كَمَا زَعِمَ «نزار قبّاني» ذَاتَ قَصيدَة- بَل يُغيِّر العَالَم كُلّه فِي عُرف «أرسطو»، حَيثُ يَقول: (بالنِّسبَة للعَالَم، فإنَّك مُجرَّد شَخص، لَكنَّك بالنّسبَة لشَخصٍ مَا، قَد تَكون العَالَم كُلّه)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store