الخوف، من أسوأ الأشياء التي يمكن أن يُصاب بها المرء، فمَن يخاف، تجده يخشى كل شيء، بما في ذلك التقدُّم للأمام والإنتاج والتطوير، ويعتقد بأن في الخوف أمانًا واطمئنانًا، فيبقى خائفًا يترقَّب وقوع ما يخاف منه، وإن كانت احتمالات وقوعه قليلة جدًا، أو حتى معدومة، إلا أنه يبقى خائفًا، فالخوف قد تملَّك منه، وسيطر على كل تصرفاته، فأصبح أسيرًا له، خادمًا لأوامره، بل إن بعض الخائفين يُصبحون أشبه بالأموات.
الخوف يأتي من مصادر عدة منها: ضعف الثقة أو عدم المصداقية أو الجهل أو التشكيك أو التكذيب أو انتشار الشائعات المغرضة، وعدم تصديق الأشياء التي تقع، أو التي سوف تقع، ويعد مثل هذا المؤشر مؤشرًا خطيرًا على مستوى الأفراد والمجتمعات، فيجب على مَن يُعاني منه أن يُبادر بمعالجته، وأن ينظر له بعين الاهتمام والعناية والرعاية، حيث إن المصداقية هي رأسمال مهم لكثير من الأمور، وتعزيز الثقة من الأسس التي تقوم عليها كثير من مقومات الحياة، فإذا لم يثق الفرد بدايةً في نفسه، ثم فيمن حوله وفي مجتمعه، فلن يتمكن أن يخطو أي خطوة للأمام.
كثير من الأفراد يحرصون في كثير من الأحيان على تشجيع الناس على الخوف، بل ويُؤكِّدون عليهم أن بعض الأمور البعد عنها وتركها خير من القيام بها، حرصًا على أن يكونوا في مأمن، فمَن يُريد أن يبدأ عملًا تجاريًا خاصًا به؛ يتم تخويفه بأنه سيخسر تجارته، ومَن يريد أن ينضم للعمل في جهة ما، يتم تخويفه بأنه سيُطرد من وظيفته، بل حتى مَن يُريد أن يتزوج، يتم تخويفه بأنه سيفشل في ذلك الزواج، مما جعل البعض من الجيل الحالي يتربّون على هذا الأمر، وأصبحت عقدة الخوف أحد أهم المبادئ التي يعيشون عليها، ولا يكتفون بوجود هذا البلاء لديهم، بل يقومون بنشره بين الناس، مستشهدين ببعض الأمثلة والحالات التي قد تكون فردية وغير عامة.
هناك فرقٌ كبير بين الخوف وبين أخذ الحيطة والحذر، والأخذ بالأسباب، فالتشكيك في كثير من الأمور هو أمرٌ خطيرٌ جدًا يجب مواجهته وعدم القبول به، وليس من الأخذ بالأسباب، بل هو عمل يجب الحد منه، وأولى خطوات معالجة هذا الخوف والتشكيك، هو أن نكون بدايةً صادقين مع أنفسنا، وأن نعترف بوجود خلل ما في دواخلنا، وأن نعرف أسبابه وسُبل العلاج المطروحة له، ونحرص على نشر ما يُساهم في تعزيز الثقة والاطمئنان بين أفراد المجتمع.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
