Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

«الأهلي والترجي» وحديث في التعصب والهوية

لجمهور الترجي والأهلي أن يشجع كما يريد وبالأسلوب الذي يريد، وللاعب أن يقاتل في الملعب، بالأسلوب الذي يريد، وبالطريقة التي يجيدها، والمهم عند الصعود لمنصة التتويج أن ترتفع الأعلام العربية، وأن تعلو الهمم العربية، وأن تتصافى النفوس العربية، فلم يكن الطرف الآخر "هابويل حيفا" ولا "مكابي تل أبيب".

A A
كنت أتأهب للكتابة في موضوع الهوية العربية حين كان الصخب مشتعلاً والحديث ممتداً عن خطورة الشحن الزائد بين جماهير النادي الأهلي المصري ونادي الترجي التونسي قبيل المباراة التي ستجمعهما في تونس بعد غد الجمعة!، والحق أنني فوجئت بدخول دار الإفتاء المصرية على الخط، مؤكدة على لسان أمينها العام خالد عمران «أن التعصب يقلب المقاصد الحسنة لوجود الرياضة في الشعوب إلى سلوك مشين، ومن ثم يجب على الإنسان أن يرقى بنفسه عنه»!

للوهلة الأولى، ورغم وجاهة العبارات الواردة على لسان أمين الإفتاء المصرية، خشيت أن يدخل الرجل بنا أو يدخل نفسه على الأقل في مواجهة مع جماهير «الترجي» المتحمسة التي سأل بعضها بالفعل عن توقيت الفتوى أو المناشدة، ولماذا لم تكن قبل اللقاء الأول الذي انتهى بفوز الفريق المصري؟!، غير أن رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد كان يجتمع بمسئولى «الترجى» مشدداً على ضرورة استقبال بعثة «الأهلى» بشكل لائق والابتعاد عن التعصب الذى تثيره وسائل الإعلام مع توفير الحماية لجماهير الفريق المصري!.

عدت لعبارات الشيخ عمران وتوقفت كثيراً أمام قوله الموجه بالتأكيد لجمهور الدرجة الثالثة والثانية والأولى والممتازة بل والمقصورة الرئيسية «إن التعصب الذي يورث البغضاء والفرقة بين الناس يعد من مساوئ الأخلاق»!، ويقيناً لو أنه صدر قبل اللقاء الأول، لكان أفضل وأجدى كثيراً من الآن!.

والمعنى أنك لا تستطيع اليوم في غمرة هذا الشحن أو الحماس المتولد من ظروف المباراة الأولى، وما أثير عن ظلم أو خطأ الحكم «الجزائري» -بغض النظر عن صحته أو خطئه- أن تقول لجمهور الترجي فضلاً عن الأهلي: ابتعدوا عن التعصب، لأنه يقلب المقاصد الحسنة الى سلوك مشين»، «وإن على الانسان أن يرقى بنفسه بعيداً عن التعصب» مع الاحترام بل التأييد المطلق لكلام الشيخ عمران.

لجمهور الترجي والأهلي أن يشجع كما يريد وبالأسلوب الذي يريد، وللاعب أن يقاتل في الملعب، بالأسلوب الذي يريد، وبالطريقة التي يجيدها، والمهم عند الصعود لمنصة التتويج أن ترتفع الأعلام العربية، وأن تعلو الهمم العربية، وأن تتصافى النفوس العربية، فلم يكن الطرف الآخر «هابويل حيفا» ولا «مكابي تل أبيب».

يروي المفكر المصري الراحل جلال أمين قصة طريفة عن هوية المصريين الحقيقية فيقول «في مطلع القرن الماضي(قبل الماضي) كان المصري إذا سألته عن هويته لا يتردد لحظة في أن يقول إنه مسلم، ولكن في نهاية القرن وبعد أن احتلت بريطانيا مصر وتبلورت القضية الوطنية في التخلص من هذا الاحتلال، كان من الطبيعي جداً أن يحدد المصري هويته «المصرية» دون أن يعني ذلك أنه أقل حباً أو ولاء للإسلام مما كان. وعندما ظهر بوضوح التهديد الصهيوني ثم الإسرائيلي لوجود ومصالح الأمة العربية كلها، لم يكن غريباً أن يحدد المصري هويته بأنه عربي دون أن يعني ذلك أنه أقل حباً لمصر أو أقل حباً للإسلام.

وعلى صعيد أقل أهمية بكثير-كما يقول أمين- إذا اشترك نادي المعادي مثلاً في مباراة لكرة القدم مع نادي الزمالك، وإذا افترضنا أني ذهبت الى المباراة لتشجيع النادي الذي أنتسب إليه، وفعل مشجعو النادي الآخر، الشيء نفسه، فإن منتهى السخف أن يقف شخص في وسط المباراة ليصيح: فلنكف عن المنافسة، فكلنا مصريون! لا شك في سخافة هذا الموقف!، ولكنه يختلف كثيراً في الحقيقة عن موقف أؤلئك الذين يكتبون هذه الأيام، ونحن في قمة الشعور بالصلف والخطر الصهيوني الذي يهدد كل عزيز لدينا، فيكلموننا عن الكونية العالمية، وأن العالم أصبح كالقرية الواحدة!.

أوقن تماماً أن حالة التعبير عن الهوية في تونس مرت بنفس الظروف التي تعاقبت على مصر، سواء من جهة السياسة.. احتلالاً ثم استقلالاً ثم إحساساً بالخطر، أو من جهة الرياضة.. تشجيعاً أو تعصباً للترجي على حساب الملعب الأفريقي أو على حساب الصفاقسي أو البنزرتي! بالمناسبة ودون مناسبة، هناك تحية واجبة للحكم التونسي بضم الحاء وفتحها أيضا والذي قضى بمنع حضور ملتقى حول الأديان تشرف عليه منظمة الكشافة التونسية واتحاد الكشافين المسلمين..

الجديد في الأمر،هو وجود نفر من الجماهير التونسية، يمكن أن تشجع الأهلى، ووجود نفر من الجماهير المصرية قد تشجع الترجي! كل ذلك لاينبغي أن يزعج أو يخيف، طالما بقي في إطاره الرياضي الجميل والعربي النبيل، ولا ينبغي كذلك أن يخرج هذا المشجع أو ذاك أو يجرده من «الوطنية»! ستنتهي المباراة بتتويج الأهلي أو الترجي، ومن يدري، فقد يأتي المشهد نموذجاً لما ينبغي أن تكون عليه المنافسات العربية!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store