Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

عن حاجة العرب لأريكة إثيوبيا وإرتيريا والصومال!

إضاءة

A A
الكنبة أو الأريكة التي جلس عليها زعماء إثيوبيا والصومال وإرتيريا ستشهد عليهم!

الحميمية الواضحة والهمس الصافي، والود اللا متناهي، وقل ما شئت من عبارات الوصف، شاهدها الملايين من أبناء الدول الثلاث والقارة الإفريقية والعالم كله، ومن ثم فإن الرجوع عن هذه المشاهد واستبدالها بأخرى، أمر مستحيل! صحيح أنه لا مستحيل في السياسة، لكن الشعوب بالتأكيد لن تسمح بدماء تسيل وأرواح تضيع في سبيل مزاج هذا الزعيم أو ذاك!

الدماء التي سالت، وحولت الأراضي إلى دماء، والأراضي التي ارتوت بتلك الدماء، والحدود التي سجلت العديد من المذابح، وأصوات الأمهات والزوجات المكلومات، وصراخ الأطفال اليتامى، ومعسكرات العبث التاريخي من قبيل الورود الحمراء والزرقاء والبيضاء، والورد منها براء، كل ذلك وأكثر منه ستشهد على أي محاولة للنكوص أو الإخلال بالعهود!

أعود لتلك الكنبة السحرية التي جلس عليها أبي أحمد وأفورقي وفرماجو، والتي لا أدري على وجه الدقة ما إذا كانت مستوردة أم محلية! وإن كنت أميل لكونها محلية، حيث لم تنخرط إرتيريا بعد في استيراد كل شيء من الخارج ! وبافتراض أنها مستوردة، فما المانع في أن نستورد مثلها ونمررها أو نمر بها على الحدود والعواصم العربية!

من الواضح أن كنبة أعداء الأمس، أصدقاء وإخوة اليوم «إثيوبيا وإرتيريا والصومال» إنما تقف على قوائم أربع من المصارحة، والمصلحة، والمنفعة، والمصالحة! وكذلك أظن أنها ستصمد في وجه الرياح العاتية التي تسود العالم اليوم، والتي يتغير مزاجها أو اتجاهها لظروف معينة، ومن ثم فإن استقدامها أو استيرادها بات مسألة مهمة حتى ولو كانت من الصين!

من الواضح أيضا ومن خلال قراءتي أو تفحصي للكنبة الإرتيرية التي اتسعت لزعيمي إثيوبيا والصومال أنها كانت وما زالت تستوعب مساحة لزعيم أو صديق أو شقيق غائب اسمه عمر، وبلده جيبوتي، فهل غاب أو تأخر لعذر مقبول، أو غير مقبول تلك مسألة أخرى تستحق مقالًا أو مقامًا آخر، طالما كنا في مقام المصالحة!

في ضوء ذلك، لن أحدثك عن حجم الدماء التي سالت أنهارًا بين إثيوبيا وإرتيريا من جهة، وبينها وبين الصومال من جهة أخرى، وما يقال عن الحرب بالوكالة، وغيرها من حروب، تارة على الحدود، وأخرى خلف الحدود، وثالثة داخل العواصم والمدن الكبرى!

بل لن أحدثك كذلك عن الحروب الأهلية في كل دولة على حدة، والتي كانت هي الأعنف والأفظع من تلك التي دارت رحاها بين كل دولة وأخرى! ولن أحدثك عن الجبهات الشعبية التي عصفت وهي في طريقها للحدود، بآلاف الأرواح، مخلفة آلاف اليتامى! لن أحدثك عن برك الدم في بادمة وورده تاهتاي أديابو و ورده ليلاي أديابو ولا مثلها في اديغرات ودالاميسا وشامبوكو ومندفرا وداس ومايدما.

دعنا من حديث الخنادق الإرتيرية، والغارات الإثيوبية، والهجمات الصومالية، نحن الآن أمام واقع جديد فرض نفسه بقوة؛ من خلال تلك الكنبة السحرية أو الساحرة، التي جعلت الزعماء الثلاثة يُردِّدون أننا إخوة، وليس مجرد أصدقاء.. أمامنا تعاون مشترك، في الاقتصاد والسياسة والثقافة، وقد تاقت شعوبنا لتعزيز السلام والأمن! وفي ضوء ذلك أُكرِّر حاجتنا إلى الكنبة والمرور بها على الحدود والعواصم العربية!

الآن على سبيل المثال لا الحصر، نريد تلك الكنبة التي أحالت الأعداء إلى أصدقاء، ليس لاستخدامها فقط بين المغرب والجزائر، خاصة بعد دعوة العاهل المغربي لبدء جولة مباحثات وإنهاء النزاع بين الدولتين، وإنما بين أشقاء البيت الواحد في فلسطين!

أجدني مضطرًا للتذكير سريعًا بأن ما بين الجزائر والمغرب، صلات دم، لا أنهار دم، كتلك التي سالت بين إثيوبيا وإرتيريا والصومال! وطوال النزاع بين المغرب والجزائر، لم يسقط قتلى ولا جرحى؛ قياسا بآلاف بل عشرات الآلاف بل مئات الآلاف في الحروب الإرتيرية الإثيوبية والصومالية! أما بين الفلسطينيين وبعضهم فهناك غزة.. تطهر كل ساحة، تغص بالزيف والغرور وتدعو كل المخلصين للصمود بلا خوف ولا فتور، وتؤكد للجميع: هذا اكتمال الحلم، فلن يضيع بعد اليوم، مادامت الخطى جمرة، ومادام درب المخلصين هديرًا.

كنتُ أختم المقال، وأنا أقرأ في «الشرق الأوسط» خبرين مهمين في صدر صفحتها الأولى، الأول يفيد بأن محمود عباس فتح الطريق مجددًا لمصالحة داخلية، مطالبًا «حماس» بتنفيذ أمين ودقيق لاتفاق القاهرة، والآخر، عن العاهل المغربي الذي دشن قطارًا فائق السرعة اسمه «البراق»!

ارتبكتُ لوهلة وأنا أتذكَّر دابة «البراق» التي حملت نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس، ليلة الإسراء والمعراج. اهتزمني بناء المقال؛ وأنا أقرأ في تسمية الحائط الغربي للمسجد الأقصى بحائط البراق، أن الملاك جبريل قام بربط البراق بالحائط إلى أن دخل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد وصلى فيه، ثم رجع إليها ليصعد بها إلى السماوات، ثم عاد به إلى مكة مرة أخرى. أنهيت المقال!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store