Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن!

بانوراما

A A
قال أمير الأدب الفرنسي فيكتور هوجو: «من يفتح باب مدرسة يُغلق باب سجن»، في دلالة على دور المدرسة في الحدِّ من انتشار الجريمة في المجتمعات.

وفي خبر طالعتنا به وكالات الأنباء قبل فترة، يفيد بأن السويد أغلقت خمسة سجون بسبب تناقص أعداد المساجين، وانتفاء الحاجة إلى تلك السجون، وأكد المسؤولون بالسويد، أن النظام التعليمي يلعب دورًا محوريًا في الحد من انتشار الجريمة، ويُعدُّ أهم الوسائل الفعالة في نشر واستتباب الأمن.

بدأ اهتمام المسلمين بالمدارس مع بداية عصر النبوّة وتنزُّل الوحي على المصطفى- صلَّى الله عليه وسلم- (اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، فكان حَيثُما يؤَسَس مسجدًا في المدينة، يبدأ فيه التعليم والعبادة معًا، ومن شواهد اهتمام رسولنا- صلَّى الله عليه وسلم- بالعلم، أنه كان يبعث إلى القبائل مَن يُعلِّمهم القرآن، ومن اهتمامه أيضًا- بأبي هو وأمي- أنه كان يطلق أسرى المشركين إذا قاموا بتعليم عدد من أبناء المسلمين القراءة والكتابة. وفي عهدِ الخليفةِ الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تم إنشاءَ أماكنَ مخصصة لتعليم الصغار من أبناءِ المسلمينَ، وكانت أشبهَ ما تكون بالمدارس المستقلة، وانتشر التعليم بعدها في ديار المسلمين، فكانت بمدينة قرطبة في القرن الثامن عشر مئات المدارس، وبحلول القرن التاسع عشر كان في كل مسجد تقريبًا مدرسة لتعليم الذكور والإناث.

وقد ذَكر الرحالة ابن جوقل في القرن العاشر، أنه أحصى في إحدى قرى جزيرة صقلية في جنوب إيطاليا، والتي كانت مستعمرةً إسلاميةً، نحو ثلاثمئة معلم يقومون بتعليم الصغار. وفي العصر العباسي على وجه الخصوص انتقل التعليم نقلة نوعية وكمية، فأصبح بحق يستحق أن يُطلق عليه عصر الترجمة والتأليف والإبداع، وكان فيه مَن يُؤلِّف كتابًا يُعطَى وزنه ذهبًا، وبذلك تألق فيه العقل الإسلامي معرفيًا من خلال استيعاب فقه الإسلام وعلومه المختلفة، التي تُسمَّى علوم العقل، وكذلك من خلال الإبداع في مجال العلوم المشتركة مع مختلف الحضارات، وبدأت تنتشر في بلاد المسلمين المدارس المختلفة لكل العلوم، وأُنشِئت الجامعات والمكتبات -دار الحكمة- وظلت حضارة المسلمين في تلك الفترة تجتهد وتبدع، لدرجة أن المؤرخ الأمريكي صاحب موسوعة: (قصة الحضارة) قال عنها: لقد كانت الحضارة الإسلامية هي العالمية الأولى والوحيدة المهيمنة خلال أكثر من عشرة قرون.

استمر الوضع إلى وقتنا الحاضر، الذي خصصت فيه الدول مؤسسات حكومية تتولى الإشراف على المدارس، وأصبح التعليم إلزامياً عند بلوغ الطفل السادسة من عمره، وتم استخدام أحدث الأساليب في عملية التعليم، وأصبح الطالب في مقدوره تلقِّي العلم وهو في مسكنهِ، بفضل استخدام أسلوب التعليم عن بُعد. وقد أثبتت البحوث والدراسات، أن انتشار التعليم وتحسن جودته أحد أهم أسباب انخفاض معدل الجريمة.. فهل أدى العدد الكبير من المدارس في العالم إلى تقليص عدد السجون والمساجين؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store