Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

لماذا لا يصبح ابنك مبدعاً؟!

A A
يقولون إن الشخص الوحيد الذي يتمنى الإنسان أن يكون أفضل منه هو ابنه.. لذا يجتهد كل الآباء تقريباً في تعليم أبنائهم؛ وإحاطتهم بالرعاية، وبسيل لا ينتهي من الوصايا والتوجيهات طمعاً في أن ينضموا الى قائمة المبدعين.. لكن معظم هذه الجهود للأسف تذهب أدراج الرياح!. صحيح أن كثيراً منهم ينجحون في أن يصبحوا متفوقين دراسياً وعملياً.. لكن درجة الإبداع والعبقرية والخَلق (creativity) لا تصل إليها إلا قلة قليلة جداً.. فلماذا لا يصبح كل الأبناء عباقرة ومبدعين كما نتمنى لهم؟!.

للإجابة على هذا السؤال لابد من التفريق أولاً بين الإبداع، وبين النجاح أو التفوق الدراسي أو العملي.. فالإبداع في أحد تعريفاته هو ابتكار خط جديد لم تعرفه البشرية من قبل؛ أو إنهاء خط خاطئ سار عليه البشر زمناً طويلاً.. وهذا لا يتأتى إلا بالتفكير خارج صناديق المألوف والسائد، وخارج أسوار العقل الجمعي وبعيداً عن قوالب التعليم الجامدة التي لا تصنع مبدعاً بقدر ما تصنع قوالب مكرورة تتميز بالتبعية أكثر من تميزها بالإبداع والاستقلالية في التفكير.

لا تعجب.. فالتعليم قد يصنع أناساً متفوقين؛ كأن يصنع طبيباً جيداً (ضمن الحدود القياسية والمعروفة للطب)، أو مهندساً متمكناً (ضمن المألوف والسائد في عوالم الهندسة)، وهؤلاء مع كامل الاحترام قد يكونون ناجحين مهنياً ووظيفياً، لكنهم بالتأكيد لن يحدثوا انقلابات علمية؛ ولا ثورات معرفية في مجالاتهم، لأنهم بكل بساطة يتحركون ضمن مساحات السائد، ولا يمتلكون روح المبدع المتسائلة والباحثة عن الجديد على الدوام.

لابد أنك تتساءل الآن: ما الذي يجعل بعض الأشخاص أكثر إبداعًا من غيرهم؟. يجيب على سؤالك الباحث في هارفارد «روجر بيت» الذي يصدمنا بداية بالقول: «إن الدماغ المبدع «مترابط» بشكلٍ خِلقي مختلف عن الآخرين، وإن المبدعين قادرون على إعمال أنظمةٍ دماغية لا تعمل سويةً عند الأشخاص العاديين». لكنه يعيد رمي الكرة في ملعبنا من جديد حين يضيف: «أن هذه الأنظمة قابلة للتطويع والتغيّر بالتدريب والتعليم والتمرين» وهذا يعني مسؤوليتنا كآباء وكأنظمة تعليمية عن صناعة العبقرية في أبنائنا، بتعزيز قابليات الإبداع والتفكير الحر لديهم، والابتعاد عن قوالب البرمجة التي تفرضها عليهم المناهج النمطية، التي تقيدهم بنتاج تفكير الآخرين، وتئد جرأتهم على التفكير المختلف.

صناعة المبدعين صناعة استراتيجية.. ومهمة وطنية تفوق صناعة الأسلحة بكثير، فالأمم لا تقاس بعدد سكانها ولا بعدد المتعلمين فيها، بل بعدد مبدعيها القادرين على صناعة التغيير وتحويل المسارات.. فكما أن قوة فرق كرة القدم تقاس بعدد اللاعبين الموهوبين الذين يستطيعون إحداث انقلاب في النتيجة في أية لحظة، فإن قوة الأمم تقاس بعدد مبدعيها ومفكريها القادرين على صناعة الفارق بسهولة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store