تابَعَتْ مجلّة «NATIONAL GEOGRAPHIC» التي تُعنى بعالم الطبيعة حول العالم، حياة أسد إفريقي عملاق في غابات تنزانيا، منذ ولادته حتّى نفوقه عن عُمْر ١٤ سنة، وقامت برثائه في مقالٍ لها ضمن عدد شهر ديسمبر بعنوان «مرثاة أسد»!.
ولأنّني مُعجبٌ بالأسود رغم خوفي الشديد منها، ولأنّها وحوش خلقها الله لِحِكَمٍ عظيمةٍ منها تحقيق التوازن الفطري في الأرض، إذ تفترس كثيراً من الحيوانات ولولا ذلك لملأت هذه الحيوانات وجه الأرض ونغّصت على الإنسان حياته، ولأنّها كذلك الصديق الصدوق لشخصية «طرزان» الخيالية، ذلك الإنسان القوي الذي عاش طيلة حياته في الغابة، وأنتجت هوليوود العديد من الأفلام السينمائية عنه، وكنتُ في طفولتي أعتبره بطلي المُفضّل، فقد وجدْتُ نفسي مُتعاطفاً مع رثاء المجلّة للأسد كواجب منّي لذكريات الطفولة السعيدة، وكأنّه صديقي في ظلّ قلّة الأصدقاء الحقيقيين وكثرة الأصدقاء «الأعدقاء»!.
وأسدُنا المرثي عنه اسمه «سي بوي»، وعمره عندما نفق تجاوز معدّل عمر الأسود المعتاد بسنتين، وكان لونه غريباً، «شُويّة» رمادي على «شُويّة» أسود إضافةً إلى اللون البُنّى الفاتح، يعني كان جميلاً، وصاحب (New look) غير مألوف عند الأسود، ولهذا فقد لاحقته اللبوات بغرض التزاوج، لكنّه كان مُخلِصاً لـ اللبوة المحظيّة عنده وأمّ «عياله»، وليس مثل بعض البشر المُتزوّجين ذوي العيون الزائغة هنا وهناك، وكان يفدي لبوته بروحه ودمه، ويصيد لها أسمن الغُزلان، وخاض مرّة معركة دموية ضدّ ثلاثة أسود تحرّشوا بها، وكأنّ الدنيا سائبة وليست هناك قوانين لمعاقبة المُتحرِّشين، وخرج هو من المعركة منتصراً رغم جراحه التي أُصِيب بها!.
باختصار، كان تأكيداً لأغنية عبدالحليم حافظ «كامل الأوصاف» التي ينبغي توفّرها في الأسد، أي ماكر ومُشاكِس وشجاع وثقيل ومُهاب، ويُحسِن عند جوعه استغلال فُرص صيده لفرائسه، مثل لاعب نادي الهلال، الفرنسي قوميز، الذي يُسجّل الأهداف من أشباه فُرص ثمّ يحتفل بتقليد الأسد في مشيته!.
وفي الختام: مات مثلما تموت المخلوقات، بعد أن كانت الغابة تخشاه، وكذلك الإنسان الذي هو خليفة الله في الأرض، وأصبح جُثّةً هامدة لا حراك لها، قد انهدّت أنيابُه التي افترس بها آلاف الحيوانات، وشخُصت عيناه التي أرعب بها فرائسه، بينما تستمرّ الغابة في حياتها حتّى يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها!.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
