Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

تهميش الأدب!

A A
ظل الأدب -شعرًا ونثرًا- ذا حظوة ومكانة لدى متلقيه، وحظي بالعناية والاهتمام والاحتفاء به وبرموزه، وحاز مبدعوه المكانة العلية لدى مريديه، وتداعى المتداعون على الأدب وفنونه بين شاعر وكاتب ومفكر وناقد وقاص وروائي وكاتب سيرة ومترجم.. إلخ. على إثر ذلك انثالت الجوائز والحوافز على الأدب والأدباء، وحظي الأدب بمزيد عناية ومُدارسة واهتمام من قِبل السُّلطات الرسمية في كل مجتمع، وحظي بإقبال ومتابعة وتلقٍّ محموم من متذوقيه، ولأجله أقيمت المؤسسات الأدبية الحكومية منها والأهلية والفردية، واهتمت به المقررات الدراسية وجعلته من صلب مفرداتها، وأوجبت على دارسيه الإلمام به وبتاريخه وأعلامه وأجناسه وفنونه، وبرزت في سماء الأدب أسماء أدبية -محلية وعربية وعالمية- عديدة غدت رموزًا سامقة ومنارات باسقة في عالَم الأدب، وكان لها مُخرجاتها الفكرية في ضروب شتى، ومؤلفاتها الإبداعية في مختلف الفنون. من زاوية أخرى فالأدب بحسب هديل البكري كما في موقع (موضوع) الإلكتروني هو «نتاجٌ فكريٌّ يشكِّل في مجموعه الحضارة الفكرية واللغوية لأمة من الأمم، وهو انعكاس لثقافتها ومجتمعها»، وفي ظل هذا التعريف تتضح أهمية الأدب؛ كونه عاملاً أساسيًّا مهمًّا يسهم في تشكُّل الحضارة الفكرية لأي مجتمع، ويؤصل لها، ويعمل على ازدهارها، ويحفظ للمجتمع هويته وإرثه بكل تنوعاته، ويعرِّف به وبمنجزه الفكري والحضاري، ويغدو وسيلة فاعلة وجسرًا متينًا للتواصل الحضاري والفكري والثقافي بين الشعوب والأمم. مع كل هذه الأهمية الكبرى والمكانة العالية للأدب، ومع كل ما حظي به من عناية واهتمام طوال الأزمنة المتعاقبة إلا أننا نرى بوصلة الاهتمام قد تحولت عنه إلى غيره، وأصبح قريبًا من الهامش بعد أن كان متنًا، وذلك لأسباب يأتي في مقدمتها قلة الوعي بأهمية الأدب وأدواره، وميل الأكثرية -خاصة من جيل التقنية- إلى الكتب والكتابات المُرْضِية للنفوس، وهي التي كما يذكر الدكتور صلاح الدين يونس في كتابه (جدلية الفكري والأدبي..) «تجد لها صدى عند عقليَّتَين: عقليةِ الرضا، أي التسليم، وعقليةٍ رافضة لفلسفات العصر وعلومه، وهي التي لم تألفِ القراءةَ الإشكالية»، ويشارك الأدباءُ أنفسُهم في حالة التهميش عندما يميلون حيث مال العامة فينحدرون بلغتهم المنطوقة والمكتوبة، ويقصرون مداءات تفكيرهم وأفكارهم، ويغشون مواطنَ معظمُ ما يدور فيها هو أقرب للسذاجة والسطحية، بحجة النزول من الأبراج، أو طلبًا للأضواء مهما كانت واهنة، بل ترى بعضهم وقد تخلى عن الجنس الأدبي الذي عُرف به واشتهر، فبدأ ينافس غيره فيما ليس يتقنه، وبعضهم فُتِن بالشعبي وأضوائه ففضل المكث تحت لوائه. لا نعجب بعد هذا إذا ضعُف الاهتمام بالأدب، ومالت الجوائز عنه إلى غيره، وخفتت الأضواء عنه وعن رموزه ونواتجه. الأمل معقود على وزارة الثقافة الناشئة، وعلى وزيرها الشاب أن يعيدا للأدب مكانته من خلال إنزاله منزلته التي يستحقها، ومن خلال الاهتمام بصروحه التي قامت من أجله، بحيث يتم توجيهها لتُعنى به في المقام الأول، والعمل على أن يبقى الأدب محتفظًا باستقلاليته لا أن يذوَّب في زحمة الفنون والاشتغالات الأخرى نزولاً عند رغبة مَن أغاظه تميز الأدب فغدا يجهد لطمس هويته، والالتفات للأدباء، وإجزال الجوائز للمبدعين والبارزين منهم. الأدب بشعره ونثره يشكل هوية المجتمعات وتراثها وحضارتها، ويعكس صورة صادقة عنها وعن رقيها ونهضتها وتقدمها، يكفي أن الفلسفة تتخذ من فنون الأدب -الشعر مثالاً- جسرًا لإيصال أفكارها، وتغدو الكتابة الإبداعية قاسمًا مشتركًا بينهما، وهو ما يعزز مكانة الأدب، لذا فهو جدير بأن يعود للواجهة، وأن يبقى متنًا، لا أن ينصاع لمن يريد أن ينزع به للهامش ويحل محله ما ليس في جلالة قَدْره وسمو مكانته.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store