Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

التربية بين الـمُقيّد والمفكوك!

A A
• يُروَى أن عبدالملك بن مروان كان يحب ابنه الوليد حباً جعله يُقصِّر في بعض جوانب تأديبه، فخرج الوليد لحّاناً في اللغة، عندها غضب عبدالملك وقال مقولته الشهيرة التي صارت مثلاً بين الناس: (أضر بالوليد حبنا له)، خصوصاً لمن يُفرِّط في تربية أبنائه بدعوى الحب والشفقة.. وما أكثر مَن يضر حبهم بأولادهم، بين تفريط وإفراط، أو بين (مقيّد ومفكوك) بلغة شباب اليوم، فتفسد الطباع، وتسوء الأخلاق، وتفتر الهمم والطموحات.

• محبة الأبناء عند البعض ليست سوى قيد ورقابة ومتابعة صارمة.. أشبه ما تكون بالتربية العسكرية، فلا يُسمح لهم بالتفكير، ولا حتى بالاختيار، بحجة الخوف عليهم، فتجد الآباء هم مَن يختارون للأبناء دراستهم، ويُحدِّدون لهم تخصصهم، ووظائفهم، بل هم مَن يختارون حتَّى لباسهم، والزوجة التي تُناسبهم.. وهذه القيود لن تُنتج سوى أجيالاً فاقدة للثقة، مشوّهة الهوية، وغير قادرة على اتخاذ القرار، أو حتى الاندماج والتفاعل مع المجتمع، ناهيك عن السلطوية، التي لن يتردَّدوا في انتهاجها متى سنحت له الفرصة.. على الجانب الآخر نجد أن حياة الصنف (المفكوك) بدعوى الحب أيضاً، عبارة عن ضوء أخضر كبير، يُمارس فيه الأبناء كل شيء دون رقيب أو حسيب، فتكون النتيجة أسوأ وأدهى!.

• إذا كان عبدالملك بن مروان قد قال مقولته الشهيرة في عصور الفروسية والبيان؛ وسيطرة الثقافة الواحدة، فكيف ونحن نعيش اليوم زمن الإنترنت والعولمة، الذي يشهد تحديات تربوية وأخلاقية قوية، حيث تتحول الثقافات الأممية المختلفة إلى ثقافة الأقوى؟!. إن ترك الأبناء يدخلون تلك الدوَّامات دون توجيه وإرشاد فيه خطرٌ كبير ولاشك، كما أن تقييدهم عن الدخول فيها أمرٌ أخطر.. هذا هو التحدي الذي يعيشه آباء اليوم في عصر الإعلام والقرية العالمية وطوفان المعلومات.

• وإذا كانت الفضيلة هي التوسُّط بين رذيلتين كما تقول العرب، فقد أعجبتني كثيراً وصية لأحد الآباء ينصح فيها ابنه في كيفية التعامل مع بحور الإنترنت، وسأورد هنا شيئاً منها ببعض التصرُّف حيث يقول: «يا بني: الإنترنت بَحرٌ عميق، ضاعت فيه أخلاق الرجال، وسقطت فيه العقول وهلُك فيه خلقٌ كثير، فكن فيه كالنحلة التي لا تقف إلا على الطيب لتنفع به نفسك والآخرين.. يا بني: الإنترنت سوقٌ كبير، ولا أحد يُقدِّم سلعته مجاناً، الكل يريد مقابلاً، فلا تشترِ حتى تتفحص السلعة جيداً وتعرف مقابلها.. ولا تُعوِّل على صداقة مَن لم تره عينك، ولا تحكم على الرجال من خلال ما يكتبونه، فإنهم مُتنكِّرون خلف الأقنعة.. احذر الأسماء المستعارة، فإن أصحابها لا يثقون في أنفسهم، فلا تثق فيمن لا يثق في نفسه.. وإياك أن تستعير اسماً، أو تجرح من جرحك، فأنت تُمثِّل نفسك وهو يُمثِّل نفسه.. وأنت تُمثِّل أخلاقك وليس أخلاقه».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store