Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالله الجميلي

كابوس التقاعد!

ضمير متكلم

A A
* رأيته مصادفة ذاتَ صباح، كان يَمتطي سيارة (وَانِيْت أو «دِدْسِن») قد بلغت من العُمْر أّرْذَلَه، والصَّدمات تحاصرها من كل جانِب، حتى أن زجاجها الخلفي قد سقط، وجاء عِوضَاً عنه «قطعة من النايلون»، كانت تلك المركبة الهَرِمَة مكونة من كابينة واحدة، رافق الرَّجُل فيها عِدة نِساء، أما سطحها المكشوف فكان فيه مجموعة من الأطفال الصغار يتجاوز عددهم الأربعة، كانوا يحاولون دون جدوى تفادي نسمات الهواء الباردة.

* لقد عرفته، رغم أن قسوة الحياة قد تلاعبت بشيء من قسمات وجهه الطّيب، لِتَرْسُم عليها بعض الأحَافِيْر وملامح الحُزن والأسى، نعم إنه جَارنا في حَيِّنَا القديم (المُوَاطِن صَالِح).

* تساءلتُ وقتها: ما الذي أصابه؟ ولماذا ساءت حاله هكذا؟ وبحثاً عن الإجابة اتصلت بأحد المقربين منه، الذي أخبرني بأنه قد اُحِيل على التقاعد، وكان أغلب راتبه مجرد بَدلات مؤقتة، سقطت بِتَقاعده، فأصبح معاشه الشهري لا يتجاوز الـ»2500 ريال، ولولا بعض المَالٍ يأتيه من «الضّمان الاجتماعي» ما استطاع أن يجِد القُوْت اليومي لأسرته الكبيرة، وقيمة إيجار منزله البسيط المتواضع.

* صدقوني حال ذلك الرّجُل البائسة، ما هي إلا أنموذج لأوضاع شريحة كبيرة من المتقاعدين ذوي الدخل المحدود، الذين حَوّل التقاعد حياتهم لكابوس دائم؛ وبالتالي -وفي ظل اهتمام قيادتنا الرشيدة بالمواطنين كافة- فالجهات المعنية مُطالَبة بسرعة دراسة أزماتهم، ومعالجتها، والوفاء بأبسط متطلباتهم وحقوقهم، وهم الذين أفنوا حياتهم وزهرة شبابهم في خدمة وطنهم، وكان أملهم أن يرتاحوا، لا أن يبدأوا رحلة من العناء والشقاء.

* أولئك المساكين حَقُّهم حَدٌّ أدنى من المعاش التقاعدي لا يقل عن «5000 ريال»، على أن يشتمل على علاوة سنوية، تواكب تَورم الأسعار، وتسارع ارتفاعها، وهناك التأمين الصحي، فهم أحوج ما يكونون إليه؛ إذ هم في سِنٍّ تحاصره الأمراض.

* أيضاً لابد أن تكون لهم أولوية الحصول على السَّكن في مسار خاص بهم «تعلنه وزارة الإسكان»، يتناسب مع قدراتهم المالية، بعيداً عن البنوك التجارية وعمولاتها التراكميّة، وشروطها التعجيزية.

* وحقّ أولئك تسهيلات مجانية وخصومات كبيرة لدى المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة في مختلف القطاعات والمجالات، كـ»رسوم الخدمات الحكومية والمواصلات والمشافي ومتاجر الأغذية والملابس وغيرها».

* وكم أتمنى أن يكون للمتقاعدين أندية اجتماعية وديوانيات تجمعهم، وتحتضن برامج وفعاليات تخاطبهم، وأرجو كذلك الإفادة من خبراتهم النّوعِيّة من خلال مجالس استشارية في كافة المناطق والمحافظات.

* أخيراً (مؤسسة التقاعد، ومعها التأمينات الاجتماعية) تقومان لسنواتٍ طوية باقتطاع أجزاء من رواتب الموظفين، وتعملان على استثمارها والمتاجرة بها، فأين دورهما في خدمتهم بعد تقاعدهم؟! (حتى الآن يبدو لا شيء يُذكر).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store