Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

قصة الشقيران وعطا الله.. و«المهنة الآثمة»!

A A
كنتُ في غمرة الفرح؛ عندما أبلغني المسؤول الأول عن دار المعارف المصرية سعيد عبده بالموافقة على طبع كِتَابي الجديد: «الصحفي الحزين على كراسي الطغاة».. فجأة وَقَعَت عيني على مقال منشور في «الشرق الأوسط» بعنوان: «نقاشات حول كُتب جمع المقالات»! والحق أن لحظة من الرعب تملَّكتني، وأنا أتأمَّل العنوان، مخافة أن أكون أحد المستهدفين من المقال الرائع للكاتب فهد سليمان الشقيران!

والحق كذلك، أنني أَشَحْتُ بعيني؛ بل بوجهي كله عن المقال، ونحّيتُ «الشرق الأوسط» كلها جانباً، قبل أن أضعها بعيداً على الطاولة، فقد آثر الشقيران أن ينتظر بأطروحته حتى صدر كِتابي، وجاء ليدعو لنقد بنَّاء للظاهرة.. ظاهرة جمع المقالات في كِتَاب! وعلى طريقة الفنان عادل إمام في مسرحية «شاهد مشفش حاجة»، كنتُ أسأل نفسي: «أنا اسمي فيهم»؟!

ومع إلحاح الرغبة المستبدّة في المعرفة، عُدتُ لمقال الشقيران، الذي كان يستشهد في مُقدّمة مقالهِ، بالكاتب الصحفي الكبير سمير عطا الله! وإذاً فإن الشقيران على هذا النحو؛ يستهدف معشر الصحفيين، الذين أنا منهم وفيهم!

عُدتُ لما كتبه الأستاذ سمير عطا الله، وأَخَذَتْ أعصابي تهدأ شيئاً فشيئاً.. كان الكاتب الكبير يقول: «دأب الكُتّاب الصحافيون -وأنا منهم- على إعادة جمع «مقالاتهم المنشورة» في كِتَاب. وقد أبلغتني الدور التي نشرت كُتبي؛ أن هذا النوع لا يروج كثيراً، وإن كان في بعض الحالات يُغطِّي التكاليف»!

في غمرة الهدوء والمراجعة، اكتشفتُ أنني لم أجمع مقالات، بل هي حوارات مع رؤساء كانوا في مقاعد المعارضة، وآخرين في المعارضة أصبحوا رؤساء.. هذه واحدة. والأخرى أنني تحريتُ النقل حرفياً إذا كان الحديث وارداً على ألسنة الزعماء، وتحرّيتُ الحياد حال التذكير بما وصل إليه الحال!

والثالثة أنني استعنتُ بشهودٍ من الشركاء وأهل الخبرة، إذا تطلَّب الأمر إسداء النصح، في مقام زعماء دول أو قادة معارضة!

في هذه الأثناء -»حالة الهدوء وطمأنة النفس»- أحالني الأستاذ سمير، بدوره إلى طرف ثالث، وهو الزميل جهاد الزين، مسؤول صفحة «قضايا» في «النهار»، الذي يُؤكِّد أنه «تناسى مقالاته المنشورة، رغم مكانتها في أوساط النُخب، وصرف جهداً خاصاً لكي يتحدَّث عن تجربته الصحافية في كِتَاب: «المهنة الآثمة»!

عادت حالة الخوف مرَّة أخرى، وأنا أتوجَّه لـ»المهنة الأثمة»، مخافة أن أكون أحد المعنيين، فوجدتُ جهاد الزين يُؤكِّد أن كِتَابه «لا يمت بأيّ صلة إلى كُتب تجميع مقالات منشورة سابقاً، وليس هو طبعاً كِتَاب مذكرات. فكما خططت له وكتبته، وأرجو أن أكون قد نجحت، كل شيء يبدأ وينتهي بمعضلات النص السياسي، من الوقائع إلى المعلومة إلى الفكرة المسبقة واللاحقة إلى التحليل إلى التوقيت».

هنا يقول سمير عطا الله: إن «المهنة الآثمة» ليس كِتَاب مذكّرات، ولا هو مقالات سابقة، ولا هو كتاب تعليم بشكلٍ ما، هو في الغالب التفكير بصوتٍ عالٍ في مهنة الصحافي العربي، إنه قراءة تفكيكية وتركيبية، تدعو إلى التفريق الواجب والضروري، بين الصحافي والمنجم، بين المهني والعازف لمرضاة سيّده!

من جديد، عدتُ إلى الشقيران هذه المرة باطمئنان، فوجدته يقول: إن الحكم العام على نشر مجموع المقالات ممتنع، فبعضها غيَّرت مجرى التاريخ الفلسفي والعلمي، كما في مقالة «في الطريقة» لديكارت، ومقالة «في الميتافيزيقيا» للايبنتز، ومقالات الشباب لهيغل.. وعلى المستوى السياسي، مقالة «نهاية التاريخ» لفوكوياما، و«صراع الحضارات» لهنتنغتون، تلك نماذج قريبة وبمتناول اليد على المقالات المكتنزة بالعلم والمعرفة، والقدرة على إثارة النقاش، وتغيير طرق المعرفة ورسم منعطفاتها.

عربياً، كما يضيف الشقيران: جمع طه حسين مقالاته، والعقاد، وكذا الطيب صالح، وأنيس منصور، وأدونيس، وغازي القصيبي، وغيرهم وهي كُتب ثمينة تضم نواة دراسة، أو طرح نتيجة بحث، أو معالجة واقعة، أو التأمُّل بمفهوم، وتحوَّلَت لسلوى للقارئ، ونافذة له، يستفيد منها الناشئ لما تحويه من تمارينٍ فكرية، وعدة فلسفية أو أدبية أو فكرية.

قال الشقيران: يا ليت أن مَن يجمعون مقالاتهم بين دفّتي كِتَاب بمستوى كتابة الأستاذ سمير، ومثل الأسماء التي وردت، أن تحمل فخامة في الأسلوب، وغنى بالمعلومة، وتسلية للشغوف بالمعرفة، ومساحة للنقاش والحوار، إنها تُحقِّق أهداف المطالعة الحرة، والتمتع الأدبي بامتياز.. قُلت يارب!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store