Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

صحف لا تموت!

A A
· إن كنت قد ركبت مترو أنفاق لندن من قبل، فلابد أنك قد لاحظت أن ثمة صحيفة جذابة الألوان؛ فاخرة الطباعة؛ كثيفة المحتوى (لا يقل عدد صفحاتها عن ٥٠ صفحة) توزع (مجاناً) في جميع محطات المترو، ويتناولها القراء بشراهة لافتة!. أول ما يشدك في الصحيفة المجانية هو محتواها الغني والمتنوع؛ مما يدفعك للتشكيك في كل الأحاديث التي تتنبأ بموت جماعي وشيك للصحف الورقية، فليس كل الصحف تترنح اليوم كما يشاع، وأن هناك صحفاً مازالت قوية وستبقى قوية لفترة طويلة.

· الفكرة بالطبع ليست في التوزيع بالمجان، معظم الصحف البريطانية والأوروبية صارت توزع اليوم بالمجان.. الفكرة الأساسية تكمن في المحتوى الجاذب والقوي. وفي الوصول السريع للقارئ من خلال هذا المحتوى الحصري الذي يبحث عنه المتلقي، ولا يجده إلا عن طريقك، هذا هو من يفرض بقاءك قوياً، من خلال حاجة الناس إليك.. بغض النظر إن كان هذا المحتوى مطبوعاً على ورق، أو كان إلكترونياً، المهم ماذا تقدم للناس، لا كيف تقدمه.

· في فرنسا التي تتمتع صحفها بمحتوى قوي تتزايد مبيعات الصحف بدعم من نسخها الإلكترونية حيث سجلت لوموند نمواً بنسبة 5.6 في العام 2017 مما يؤكد أن الصحافة لم ولن تنتهي.. وأن الذي انتهى هو الأسلوب التقليدي البالي الذي مازالت تدار به بعض الصحف المترنحة التي لم تعد تواكب وعي القارئ ولا حاجاته؛ فتركها القارئ دون رجعة.. لم تنتهِ الاذاعة بعد ظهور التلفزيون لأنها ببساطة غيَّرت جلدها، وتحولت إلى موجات FM وقدمت للمتلقي محتوى جديداً وجاذباً فاكتسحت..أما المحطات التي لم تتطور ولم تراعِ تطور التقنيات وتغير الأوعية فقد تحولت الى متحف التاريخ.

·من الحمق أن تفعل الشيء نفسه ثم تنتظر نتائج مختلفة. هكذا قال اينشتاين.. الصحافة والقراء في مرحلة انتقالية مثيرة، والبقاء لم يعد للأقوى مالياً بل للأسرع والأذكى، ولمن يستطيع مجاراة القارئ الرقمي وفهم متطلباته، والصحف التي تموت يومياً تموت لأنها لم تستطع تأهيل نفسها لأسواق اليوم، وليس لأنها ورقية فقط.. ومن المؤسف القول إن المحاولات والحلول التي تتبعها معظم الصحف الورقية لا طائل منها، ركض خاسر نحو الخبر المكرور الذي حسمته القنوات التلفزيونية لصالحها منذ فترة طويلة بحكم آنيتها وحيويتها.. مقابل إهمال عجيب وغير مفسر للتحقيق الصحفي وللتحليل وللمقال الذي يبحث في هموم المجتمع، والذي يضيف للقارئ.

· القضية قضية محتوى بالمقام الأول وطريقة ترويج صحيحة لهذا المحتوى، وعلى الصحف إن أرادت البقاء أن تفكر في تطوير محتواها، فالمحتوى الجيد والجذاب والحصري هو من سينقذها ولا شيء غير ذلك.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store