Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

بين تُجَّار الدين وتُجَّار الوطنية!

A A
• المتربِّحون بالدين، أو تجار الدين، هم أسوأ وأقبح أنواع التجَّار، بل هم أقبح أنواع البشر على الإطلاق، ولا يُجاريهم في هذا القبح إلا المتربِّحين بالأوطان.. والسبب أن كلا السلعتين غالٍ؛ وعزيزٍ؛ وغير قابل للاتجار أو المساومة، وإذا كان الفريق الأول؛ ممن اتخذوا الدين وسيلة للثراء وحصد الأموال والجاه والمراكز الاجتماعية المرموقة قد تم تحجيمهم مؤخرًا، بفضل من حكومة خادم الحرمين الشريفين، وقرارات سمو ولي العهد الشجاعة، بعد أن عاثوا في الارض فسادًا لعقودٍ طويلة من خلال أوجه عدّة: كالإرهاب والاتجار بالبشر والحروب، فإن النوع الثاني للأسف لا يزال ينفث سمومه عيانًا بيانًا، مختبئًا خلف شعارات وطنية تلهب حواس الشباب وتثير عواطفهم.

• اللافت أنه بالرغم من اختلاف نوع (السلعة) بين الفريقين، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو الغلو والتشدد وإقصاء الآخر، وصولًا إلى التكفير المطلق، والاستعداء والاستبداد واحتكار الصواب بمنطق (إن لم تكن معي فأنت ضدي).. فالفريق الأول الذي راجت بضاعته بيننا لسنواتٍ طويلة، بواسطة بعض جماعات الإسلام السياسي التي تُصنِّف كل ما عداها بالكفر البواح، مستغلة الميل الطبيعي للناس في بلادنا إلى التديُّن، ومتخذة من التلبيس والخلط الفكري أداة لتحقيق أهدافها، فإن الفريق الثاني لا يقل عنها ديكتاتورية ولا تشددًا حين تصف كل مَن يُخالفها الرأي بالخيانة والعمالة، وتطالب بنبذه وإسقاطه.

• فيروس التشدد والغلو مكروه أينما حل.. لكنه يزداد سوءًا حين يضرب الدين في سماحته ووسطيته، أو يضرب الوطن في اتساعه وشموليته وتعدديته الجميلة التي تقبل الناس على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وعقائدهم وثقافاتهم، لقد اكتوينا بنار التكفير وكوارثه التي كانت حصيلة فِكر يرى المجتمع بعينٍ واحدة، ويُقسِّمه إلى مسلم وكافر فقط.. وأكثر ما أخشاه أن نكتوي بنيران الطائفية والجهوية والمناطقية التي ستكون أشد وبالًا على الوطن.

• الوطنية لا تعني التربص ولا الكراهية ولا الشوفونية.. الوطنية محبّة وقبول في المقام الأول، محبة للأرض، وقبول وتعايش مع كل مكوّناتها.. الوطنية تعني أن تتنكَّر لكل أطماعك الشخصية، أن تغتسل من كل أحقادك الطائفية، وأن تخرج من ضيق مناطقيتك، واضعًا الوطن بكل تنوُّعه واتساعه وتعدديته بين عينيك.

• لقد أصبح تجريم التكفير العقدي والوطني مطلبًا ملحًا لقطع الطريق على مرتزقة الدين وتُجّار اللعب على أوتار الوطنية.. الذين لو كان الوطن يهمهم فعلًا؛ لأدركوا أن ما يقومون به من تفرقة وإشعال للأحقاد والضغائن هو أكبر كبائر العصر.

• عانينا لأكثر من خمسين عامًا من تُجَّار الدين قبل أن نتخلَّص منهم.. وأرجو ألا نحتاج لنفس الوقت للتخلص من تُجَّار الوطنية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store