Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

سميرة جمجوم (النموذج المتفرد)

No Image

A A
﴿هَل جَزاءُ الإِحسانِ إِلَّا الإحسان).. ما جزاء من أحسن بطاعة ربه، إلا أن يحسن الله جزاءه..

‏استوعبتُ هذه المعاني طوال أيام العزاء في الفقيدة الغالية د.سميرة جمجوم يرحمها الله. فقد كانت نموذجا متفردا قامت بمحتوى هذه الآية الكريمة عملاً وقولاً طوال سنوات حياتها. فما كتبه عنها ابنها د.محمود بترجي في مقالته المعنونة: بـ(كم هي عظيمة)، ترجم فيها عبق البنوّة لفقيهة متميزة نفذت محتوى طاعة ربها زوجة وأما وأختا وجدة.

تزوجت في عمر صغير، ولم تُكمل تعليمها، وبعد أن أدت رسالتها الزوجية والأمومية عادت لمقاعد الدراسة، فدرست جميع مراحل التعليم حتى نالت الماجستير والدكتوراة من جامعة الملك عبدالعزيز.

تعرفتُ عليها عام 1403هـ بعد عودتي من أمريكا، وقد حصلت على الماجستير في علم الاجتماع. لا أنسى ذلك اليوم، فقد كانت مبتسمة كعادتها، وكأنها تضيء المكان حولها، وهي تتمثل قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، ومن يعرفها يُدرك هذه الرسالة الرقيقة التي تُرسلها لكل مَن تجلس معهم. لم أكن أعرفها جيدا سابقاً، وقامت دكتورة فاطمة نصيف عميدة قسم الطالبات حينها تعرفني عليها. لفت نظري فيها؛ ذلك الضوء الذي يُحيطها، ضوء لا يشعر به إلا مَن يُدرك ما في هذه النفس؛ من نقاءٍ وعطاءٍ وطيبة وتسامح.

وبدأ مشواري الجميل معها حباً وتلازماً طوال سنوات عملها أستاذة في قسم الثقافة الإسلامية في جامعة الملك عبدالعزيز، وأنا معها في كلية الآداب لكن قسم اجتماع. ثم تعرفت على ابنتها الغالية الدكتورة سوزان بترجي رحمها الله، الأستاذة في كلية العلوم، وكانت تحمل من صفاتها الكثير، وبعدها تعرَّفت أكثر على أخواتها الغاليات هدى وأميمة وماجدة. وكنت أعتبر نفسي الأخت الخامسة لهن.

كم هو صعب أن أختزل تاريخاً عظيماً لإنسانة هي النموذج الحقيقي لما تُنادي به وتنصح به وتُعلِّمه، فقد كانت نموذجا متفردا في قول الحق، والدفاع عن المظلوم. وكنا زميلاتها وطالباتها نلجأ لها في كل موقف صعب نعرف أنها خير من يعلم وينصح ويواسي ويشارك الجميع أفراحهم ومواساتهم.. وقد كانت أبعد الناس عن الأضواء والمديح، وأقربهن للجوانح والقلوب لكل مَن يعرفها. فقدت فلذة كبدها ابنتها الوحيدة الدكتورة سوزان بترجي يرحمها الله، وصبرت واحتسبت.

يوم توديعها بعد تقاعدها من التدريس بالجامعة كان احتفالا ضخما، فامتلأت مدرجات مسرح الطالبات بالمئات من الزميلات والطالبات والمحبات لها، و(العاملات الخالات في الجامعة) كُنَّ هناك، فقد كانت لهن أماً حانية.

تقاعدت عن التدريس في الجامعة لكن لم تتوقف عن محاضراتها الدعوية ومشاركاتها في أعمال الخير وفي العديد من المؤتمرات والأنشطة، وعضويتها في العديد من الجمعيات الخيرية.. كان العزاء تجمُّعاً حميمياً للنساء، وللرجال أيضاً، وكأن مدينة جدة كلها كانت هناك، مختلف الوجوه والأعمار والمستويات والجهات رسمياً وخيرياً وأكاديمياً، زمالة وصداقة وأخوة. كأن كل واحدة لا تُعزِّي بل جاءت لتتقبل العزاء فيها. فقد غابت الغالية بعد معاناة مع المرض يعلم الله وحده حجمها ومدى صبرها.

هنيئا لكم أخواتها وأبناؤها، وحفيداتها وأحفادها، وجميع أهلها وأرحامها، ولنا معكم أيضاً، بما تركت لكم ولنا وللمجتمع من ذكرى طيبة خالدة تبقى عالية، وعلينا مسؤولية نشر علمها.

وأخيراً، أحسن الله العزاء لأخواتها هدى وأميمة وماجدة جمجوم وأبنائها أ.مازن بترجي ود.محمود بترجي، وأ.إبراهيم بترجي وأحفادها وحفيداتها، وآل الجمجوم وآل نصيف وآل الناغي وآل أبوزيد. ولنا ولجميع محبيها. و(إنا لله وإنا إليه راجعون )

​نورة خالد السعد

أستاذ علم الاجتماع - جامعة الملك عبدالعزيز بجدة

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store