Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

هل الإنسان حيوان اجتماعي؟

A A
من خلال اطلاعي، يغلب على ظني، أن الإنسان ليس حيواناً اجتماعياً بالضرورة، بل حيوانٌ تحكمه المصلحةُ والعاطفة، فهو يختلطُ بالناس بحدود مصلحته الشخصيةِ واحتياجاته الغريزية التي يهتمُّ بضمانها وتأمينها، كالمأكل والمسكن والملبس والتكاثر والحماية من ضرر الطبيعة، أما في غير ذلك، فالإنسان يميلُ للعيش بصورة مُنعزلةٍ نسبياً بعيداً عن التعامل غير المُبرر مع جمهور الناس.

وتُشير نظرية «سافانا» للسّعادة النفسية، إلى أن الإنسان يميلُ بفطرته إلى الحياة البِدائية لأسلافه في مناطق السافانا، حينما كانوا يعيشون في مجموعاتٍ صغيرة مُتفرقة ومتباعدة نسبياً، حيث الهدوء والعُزلة وقلة الاختلاط، بعيداً عن الصّخب والتوتّر العصبي.

وفي السّياق نفسه، تفيدُ تقارير بأن الإنسان يعيشُ في الغالب بشكلٍ مُستقر وسعيد في مجموعات صغيرة تتكوّن من نحو (150) فرداً، أكثر من كونه في مُجتمعٍ كبير مُكتظّ بالناس، وأن الأذكياء يُفضّلون العيش في عُزلة اجتماعية، والارتباط بصداقات نوعية مُختصرة، لإرضاء حاجاتهم الفكرية النفسية المتميّزة، واحتياجاتهم الإنسانية المُتواضعة نسبياً.

من الواضح أن الإنسانَ بصفاته الفطرية، غير مجبولٍ على التعاطي الصحّي مع توتّر الإيقاع السّريع لحياة العصر الحديث ومُتطلّبات الضغوطات الاجتماعية والوظيفية، وازدياد الصّخب من حوله، ولعل نتيجة ذلك النمط من الحياة المُزدحمة بتفاصيل غاية في التداخل والضجيج والإلحاح النفسي، تزدادُ إصابته باضطرابات نفسية وعضوية وسُلوكية، كاضطرابات النوم.

وأظهرت دراسةٌ نُشِرت في المجلة البريطانية لأمراض النفس (عام 2016)، أن الأشخاص الذين يتمتعون بصداقاتٍ أقل، هم في الحقيقة أكثر سعادةً وارتياحاً، ويمتلكون مُعدّلات ذكاءٍ أكثر من غيرهم، كما أظهرت دراسة مطوّلة من جامعة «هارفارد»، أن العلاقات الإنسانية بعناصر الإخلاص والأمان والحب والتفاهم، من أهم ما يوفّر السّعادة والرضا للإنسان، فالعبرة بجودة العلاقات، وليس بكثرتها وتعدّدها.

وختاماً، يبدو لي أن الإنسان كائنٌ «مصلحجي»!! فهو ينشد مصلحته الشّخصية ويدورُ في فلكها ويأتمر بإيحاءاتـها وإغراءاتها، بغضّ النظر عن الحقّ والحقيقة، وفي هذا يقول الدكتور علي الوردي رائدُ علم الاجتماع: «إن الإنسان بطبيعته أنانيٌّ يحب ذاته ويسعى في سبيلِ إعلاء شأنها، لا فرقَ في ذلك بين الصالـح من الناس والفاسد منهم، فالمصلحةُ الخاصّة هي رائدُ الجميع، أما المصلحة العامة فتأتي عَرضاً».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store