Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

هل عالم الإنترنت يقود إلى الأمّية؟!

رؤية فكرية

A A
أشرت في مقالتي في عدد يوم الثلاثاء الماضي إلى ضرورة العودة إلى الصحافة الأدبية، والتي عرفناها منذ أكثر من سبعين عامًا، وبرزت لنا فيها العديد من الأسماء الفاعلة في الفكر والأدب والثقافة، وما يتصل بها. وكان الباعث وراء تلك الدعوة هو ما تتعرّض له الصحافة الورقية من ضمور وانحسار، مع غياب للجانب الأدبي فيها، والذي كان يميزها ويبعث القرّاء على مواصلة قراءتها والتفاعل معها، لكن الجوانب الاقتصادية والسياسية معروفة عن طريق الخبر، بينما تتطلب النواحي الثقافية والأدبية حضورًا ومتابعة وتفاعلاً إيجابيًا، وهذا ما يقود الأمم المتقدمة، ويجعلها في موضع التأثير لا موضع التقليد والمحاكاة.

في عالمنا الذي يطلق عليه العالم الثالث، كنا على مدى قرن من الزمن مستخدمين للآلة، وفي كثير من الأحيان نسيء استخدامها، وإذا كان الغرب قد صنع كل المحدثات الجديدة، بما فيها المركبات الحديثة، إلا أنه لم يركن إليها ويجعلها خياره الوحيد، حيث نجد في الدول الغربية أن الفرد لا يستعمل السيارة إلا في المسافات البعيدة حسبما تقتضيه الحاجة، فيما يعتمد على الدراجات الهوائية في تنقله عبر المسافات القصيرة والمحدودة، ولا أنسى ذلك المشهد العجيب في بريطانيا في مطلع الثمانينيات الميلادية، فلقد كان هنالك سياسي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة مارغريت تاتشر، وكان يسكن في ضواحي لندن، وكان هناك موعد لاجتماع هام لمجلس الوزراء وقد كان يتهيأ لحجز مقعد عادي له في القطار (المترو)، ولكن القطار يومذاك تأخر عن موعده -على غير العادة- لعطل طارئ ألمّ به، فعاد مسرعًا إلى منزله، واستغل دراجته الهوائية، المركونة في فناء منزله، ولقد تنبه بعض الصحفيين إلى صورة الرجل واسمه (وايت لو)، وهو يقود دراجته إلى عشرة داوننغ استريت ليلحق بالاجتماع العام، لم يشعر (وايت لو) بالدونية عند قيامه بذلك العمل، بل كان ذلك مصدر إلهام وإشادة واحترام من جميع طبقات المجتمع ومؤسساته.

ولئن كان العالم الأول قد أبدع التقنية الحديثة، ومكّن من خلاله لكافة شعوب الأرض من فتح كل الأبواب، وتحطيم كل النوافذ، بحيث أصبحت الشبكة العنكبوتية، المعروفة بـ"الإنترنت"، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة هي الشغل الشاغل للناس، فإننا نجد المجتمعات الغربية تتعامل بتحفظ شديد مع هذه التقنيات مقارنة بعالمنا الثالث، وبخاصة العالم العربي، بل إن الغرب يعد الإنترنت من الأدوات التي تنشر الأمية والجهل، محاطة في الحذر مما يحتويه بالإطلاع الجاد، والدراسة الممحصة، والتنقيب عن المعلومة، وعدم الركون إلى الإنترنت في استقاء أي معلومة، وأخذها على عواهنها، وكأنها قيمة مسلَّم بها، على خلاف ما هو الحال لدينا، حيث نجد إفراطًا في التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أقرب ما يكون إلى التلهّي منه إلى الاستفادة والتسخير لصالح العقل والعلم والمعرفة، والحال كذلك مع الإنترنت الذي استعاض البعض به عن المكتبة وأمهات الكتب والمراجع في إنجاز بحوثهم وفروضهم الأكاديمية والبحثية، بما وسّع من دائرة الجهل والأمية عبر النسخ واللصق، وأنتج بحوثًا ودراسات لا جديد فيها، ولا تحمل أي سمة من سمات الاجتهاد الذي يفترض أن يكون صفة الباحث الجاد، ولهذا فإني أتفق تمام الاتفاق مع المقولة الغربية الواصفة للإنترنت بأنه وسيلة لنشر الأمية والجهل، طالما كان تعاملنا معه على النحو الذي نشاهده اليوم.

وعند كتابتي لهذا الموضوع استعدت ما كتبه الأستاذ والأديب المعروف محمّد عمر العامودي في هذه الصحيفة محذّرًا من سوء استخدام التقنية، وتلك سمة المفكر الذي يستشرف المستقبل ويقدم لأمته ومجتمعه ما يدخل في باب التنبيه والنصيحة، وقلة ممن يفعل ذلك مثل ما فعله ويفعله "أبو علاء" وبعض من مجايليه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store