تخيلت أنهم يتجولون بين جبالها وتلالها لاختيار بعضها لنحتها، ولمعرفتهم بهذه المنطقة (لأنها كما يقال كانت مركزًا مهمًا على طرق تجارتهم)، فقد لاحظوا أن طبيعة صخور المنطقة وتضاريسها، مشابهة لحد كبير صخور منطقة البتراء عاصمتهم، التي نحتوا فيها قصورهم ومعابدهم.. فهم إذًا، قد حضروا للمنطقة وهم يعرفون مسبقًا (أي صخر سينحتون).
هل لاحظتم أحبتي فيما ذكرته أعلاه، أن هناك عنصراً جيولوجياً، (أو فلنقل) أن هناك تراثًا جيولوجيًا مبهرًا، في هذه المنطقة. قبل 2000 عام لم يعرف النبطيون، كيف تكونت صخور المنطقة، ولم يفهموا تنوعها أو تعدد أشكالها.. ولكنهم أدركوا أن أسهل الصخور حولهم، للبناء والنقش والنحت، هي تلك التي ذات اللون الأصفر، والتي تظهر على هيئة تلال في المكان الذي تتواجد فيه مدائن صالح حاليًا.
لم يدرك النبطيون حينها أن هذه المنطقة لها تاريخ وإرث جيولوجي ممتد لمئات الملايين من السنين.. هم لم يسمعوا بما يسمى بصخور القاعدة، ولم يدركوا أن الصخور التي نحتوها ترسبت فوق صخور القاعدة، كما لم يعرفوا لماذا تواجدت الحمم واللابات البركانية فوق هذه الصخور المترسبة، وكيف انبثقت على سطح الأرض تجري عليه نيرانًا ملتهبة.
إن العلا والمناطق التي تحيط بها، تحكي تاريخًا جيولوجيًا شيقًا للأرض، وبنائيات المنطقة وعدداً من العمليات الجيولوجية عبر زمن جيولوجي طويل وحتى الوقت الحالي. أتمنى مستقبلا (وأنا متأكد أن المسؤولين عن التطوير في هذه المنطقة على دراية بذلك)، أن يدرجوا من ضمن خطوات التطوير، إبراز هذه التضاريس والتنوع الجيولوجي، للزوار بطريقة تعليمية تثقيفية شيقة وسهلة الفهم والاستيعاب. كما أنه من المهم جدًا أن تتم (ومع فتح باب السياحة للمنطقة)، اتخاذ خطوات ضمن (مفهوم الحماية الجيولوجية)، لحفظ هذه المعالم من العبث بها أو تدميرها.. وربما وجود متحف جيولوجي في العلا (كمعلم سياحي تعليمي تثقيفي) مطلب مهم الآن، من متطلبات تطوير المنطقة سياحيًا.