Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

فعاليات العلا وصناعة التاريخ

A A
انتهى شتاء طنطورة 9 فبراير، حيث بدأ 20 ديسمبر، لكنه رسخ حضور العلا كمنطقة أثرية مهمة في ذاكرة العالم، الذي تابع الفعاليات الفنية والتغطيات للمنطقة التي ظهرت للعالم فجأة، بكل الزخم الفني والعبق التاريخي، الذي يماثل مدينة البتراء في جنوب الأردن والتي تقع في محافظة معان القديمة. عندما زرت البتراء قبل سنوات أنا وعدد من الصديقات، تجوَّلنا على حنطور داخل المدينة مع شرح وافٍ من قائد الحنطور عن كل ما نمرُّ عليه من قنوات مياه، ونقوش وأبنية، لكن لفت نظري واستوقفني المسرح الروماني، لأن الفنون هي التي تشير إلى بلوغ الأمة سدة الحضارة. وعندما كنت في لندن العام الماضي لم أكن متحمسة كثيراً لزيارة المقهى الذي أنشئ تخليداً لشارع غاندي « The Mugglers inn»، مدينة أكستر في بريطانيا، الذي استوحت منه، جوان رولينغ «J.K. Rowling» كاتبة الرواية المشهورة «هاري بوتر»، أحداث رواياتها، ربما لأنه ليس تاريخاً قديماً ولايحمل عبق الماضي لكنه ربما يصبح يوماً موقعاً تاريخياً مهماً. هي هذه آلية ترسيخ المكان في ذاكرة التاريخ؛ ربط المكان بالأحداث البارزة، ليست فقط سياسية أو حربية، بل فنية وأدبية.

الأماكن الأثرية في الشرق الأوسط، والمخطوطات، مكنت علماء الآثار من قراءة الأمم الماضية، حضارتهم، عاداتهم وحياتهم بكل تفاصيلها، ومنهلٌ غرف منه الأدباء والروائيون لينتجوا أجمل إبداعاتهم، كـ»أجاثا كريستي» التي تمكنت من إنتاج «85» رواية، انطلق خيالها محلقاً في آثار الشرق العظيمة، حيث أتيح لها العيش والتجوال في مدن، الكلدانيين، وآشور، والحور، والآراميين، تلال سورية، وتدمر، وبتراء الأنباط، وتجولت بين آثار الفراعنة في مصر، وعاشت في العراق برفقة زوجها عالم الآثار.

رضوى عاشور أيضاً استقت من تاريخنا الغابر في الأندلس، روايتها « ثلاثية غرناطة « ورواية «الطنطورية» تحكي قصة المذبحة التي تعرضت لها قرية الطنطورة في فلسطين، فـ» التاريخ يرمز للزمن الماضي أو الزمن الغابر»، زمن موغل في القدم، وأحداث لم نشهدها، لذلك نشعر بالمتعة والإبهار والدهشة، لأننا نعيش زمناً يحمل عبق حضارة أقوام بادوا لكن حياتهم مخطوطة، أو منقوشة، أو أنها مجسدة في الآثار التي تركوها، شاهدة على تفوقهم وصراعهم مع الطبيعة وكل ما يهدد الحياة كما يحدث في كل عصر وزمان، مع اختلاف الأدوات والمعطيات. رواية «رماد الشرق» بجزءيها لواسيني الأعرج، استقت من التاريخ القريب أحداثها؛ فالأحداث هي التي ترسخ قيمة المكان، ربما لذلك بهرتني العلا وأنا أشاهد آثارها من خلال التغطيات الإعلامية التي رافقت الفعاليات الفنية خلال الفترة الماضية، لأني لازلت مغرمة بالتاريخ، والآثار، رغم أني ظننت أن ذلك الشغف قد انطفأ وبات رماداً بعد أن جبت متاحف وآثاراً كثيرة، ربما الآن وأنا أتابع آثار مدينة العلا وأستعيد ذهنياً مشاهد البتراء، ومقهى هاري بوتر، أحاول الربط بين قدرتنا على ترسيخ الأماكن إلى آثار تكتشفها الأجيال، من خلال نفض رمال الزمن عنها وإحيائها بأحداث بالغة الأثر لا يمكن محوها بل جلوها ليبقى الأثر حياً نابضاً كمدينة العلا المنطقة الأثرية البكر، ومع ذلك استطاعت فكرة شتاء طنطورة جلوها وإظهارها للعالم كتراث أثري، وثروة وطنية، تضم آثار حضارات بائدة، فالعلا كانت حاضرة التجارة قديماً، نظراً لوقوعها على طريق تجارة البخور والتوابل، وهي ثاني أكبر مدن الأنباط، التي لازالت تخبئ أسرارها، لكنها ربما ستحرض العقول للإبداع الفني والأدبي، وربما يبهر أدباؤنا العالم بروايات من قلب مدينة العلا ومدائن صالح.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store