Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

نحن في زمن الإعلام الروسي.. سبحان من له الدوام!

A A
أعادني الزميل عثمان ميرغني لمواقف ومشاهد كاوية في وعن الإعلام أيام زمان!، لقد راح عثمان يتذكر ما حدث معه عندما أوفدته صحيفة «العرب» اللندنية في نوفمبر (تشرين الثاني) 1980 إلى بغداد أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، وكيف كانت تحركات الإعلاميين مرصودة من موظفي الإعلام ورجال الأمن، فضلاً عن سهولة السيطرة حيث «البلد في حالة حرب، والتحركات لا تتم في الغالب إلا بإذن، أو مع رفقة «رسمية» مرئية أو مخفية، والاتصالات مرصودة.. و لم تكن هناك هواتف جوالة، ذكية أو غبية، ولا كمبيوترات محمولة، ولا إنترنت بالطبع.

تذكرت ما حدث معي، حيث تعرضت للسجن في أثيوبيا، حين تحركت بلا إذن، وللتوقيف في الصومال، حين تحدثت بلا إذن، وللتوبيخ في جيبوتي، حين التقطت صورة بلا إذن، وللمقاطعة في السودان حين همست عن جدوى الحرب في الجنوب..بلا إذن! لكن ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع تحديداً هو ما يحدث الآن من تراشق بين روسيا وألمانيا على صعيد الإعلام!.

والذي حدث أن المتحدثة باسم خارجية روسيا ماريا زاخاروفا، وعلى طريقة المعايرة راحت تُذكِّر الناس بأن البعض في ألمانيا اقترح سابقاً تدريس كتاب هتلر»كفاحي » في المدارس!.

لقد جاء رد أو ردح زاخاروفا رداً على موقف اتحاد الصحفيين الألمان DJV الذي دعا السلطات الألمانية المختصة إلى عدم إصدار ترخيص بث تلفزيوني لبوابة RT Deutsch الألمانية، ذاهباً إلى أن قناة RT الروسية التي تبث بعدة لغات حيّة ليست وسيلة إعلامية لبث المعلومات، بل «أداة دعاية للكرملين»!

وكتبت زاخاروفا فى صفحتها على فيسبوك: «أتذكر كيف أنه قبل ثلاث سنوات، اقترح هيكل مهني مماثل في ألمانيا، هو اتحاد المعلمين الألمان، تضمين كتاب Mein Kampf (كفاحي) في المناهج الدراسية» بل إن رئيس جمعية المعلمين الديمقراطية جوزيف كراوس قال لنشرة أيام الأسبوع الألمانية: «أعتقد أن هذه الدعوة مفيدة للغاية لأنها تدمر الأسطورة. ونحن نعلم جميعاً أن الفاكهة المحرمة حلوة».

على أن وصلة الردح لم تتوقف عند هذا الحد، فقد وصف سكرتير اتحاد الصحفيين في روسيا، تيمور شافير، دعوة الزملاء الألمان بأنها «انتهاك صارخ وغير مبرر للمبادئ الأساسية للمهنة» مؤكداً أن اتحاده يعتزم إثارة قضية العدوان ضد وسائل الإعلام الروسية على المستوى الدولي!.

هكذا «عشنا وشفنا» اتحاد الصحفيين الروس يؤكد على أهمية حرية الصحافة، وعدم انتهاك المبادئ الأساسية للمهنة وفي مقدمتها احترام الرأي الآخر!، والمثير للدهشة أن الاتحاد الروسي أصبح في حالة انعقاد شبه مستمر لمواجهة أصوات داخل البرلمان الأوروبي تدعو الى مواجهة وسائل الإعلام الروسية، وترى أن وكالة Sputnik وقناة RT التلفزيونية تشكلان تهديدات حقيقية!.

على أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معلقاً أو مستهجناً الاقتراح الألماني هذا، ومهنئاً الصحفيين العاملين في RT و Sputnik على قيامهم بعمل فعال، ومشيراً الى ما وصفه بالتدهور الواضح للأفكار حول الديمقراطية في المجتمع الغربي، ومعرباً عن أمله في أن لا تكون هناك قيود حقيقية على وسائل الإعلام الروسية في الغرب.

السؤال الآن: هل كان الإعلام الروسي الذي انعتق من بطش الشيوعية في هذه الحالة من التحفز بل العطش؟! هل كان هذا الإعلام يبحث عن ذاته بالفعل، أم أنه صناعة روسية متقنة على طريقة الصواريخ الموجهة؟!.. هل تتذكر الأجيال الحالية من الإعلاميين العرب وغير العرب إعلام السوفيت قبل «البيريسترويكا». وكيف كان خاضعًا كليًا للحزب الشيوعي وجهاز الكي جي بي؟!.

أعتقد أن هذا هو الفرق بين إعلام ظل يطبل للشيوعية حتى سقطت، ويروج للنظرية الماركسية، حتى انكسرت، وآخر يواجه وينتقد وينتعش كلما ذاق طعم الحرية! إنها الحرية بل هامش الحرية الذي يمكن أن يفوق في قوته، سطوة روبرت مردوخ، وثروة برلسكوني.

لقد كسب الإعلام الحر أو شبه الحر الرهان من أصحاب الإمبراطوريات الإعلامية، ليس في روسيا فقط وفي مقدمتهم اليهوديان بوريس بيريزوفسكي مالك «المؤسسة العامة للتلفزيون» وفلاديمير غوسينسكي صاحب مؤسسة «موست» التي تضم قنوات تلفزة وعدداً من الصحف والمجلات، وكلاهما يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب الروسية. وإنما من آخرين في الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store