Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

إسداء النصائح.. لنشر فضيلة التسامح!

الحبر الأصفر

A A
التَّسَامُحُ شَجرَةٌ أَصلهَا فِي الفَضْل، وفَرعهَا فِي البَهَاء، ظلَالهَا الوَارِفَة تَحفُّ كُلّ العَابرين بعنَايتهَا، ولَا تَبخَل بثَمارهَا اليَانعَة عَلَى العَابرين، كَمَا أَنَّها -أَي شَجرة التَّسَامُح- تَصفَح عَن كُلّ عَاشِق نَقش أَوجَاعه عَليهَا، غَير آبهٍ بآلَامهَا، وتَعفو عَن كُلِّ حَاطِبٍ سَرق أَغصَانهَا.. وهَذه المَقَالَة مَا هِي إلَّا فَرع؛ مِن شَجرةِ التَّسَامُح الكَبيرَة، التي تَصمُد أَمَام الرِّيَاح العَاتية، فتَقبَّلوها قبُولاً حَسناً، لتَكونوا مِن ذَوي النّفُوس الصَّافيَة..!

الصَّديق الحَقيقي يَصون الودّ، ويُؤْثِر صَديقه عَلَى نَفسه.. لَكن مَاذَا لَو عَصفَ الزَّمَان بتِلك الصَّدَاقَة؟، هَل يَستَطيع الصَّديق أَنْ يَتسَامَح مَع صَديقه، كَمَا يَتسَامَح مَع عَدوّه؟. يَستَبعد الأَديب «وليم بليك»؛ إمكَانية حدُوث ذَلك؛ قَائِلاً: (إنْ تُسَامِح عَدوًّا أسهلُ مِن مُسَامَحة صَديق)..!

والعَيشُ فِي المَاضِي، لَا يَروي -دَائِماً- مَزرعة الأَحقَاد، لأنَّ المُنَاضِل الجَنوب إفرِيقِي «نيلسون مَانديلا»؛ يُؤكِّد -مِن وَاقِع تَجربته المَريرَة والطَّويلَة- أَنَّه إذَا كَان لَدَى المَرء نيّة صَادِقَة فِي التَّسَامُح، فإنَّ الأَحقَاد تَتلَاشَى؛ دُون الحَاجَة إلَى فُقدَان الذَّاكِرَة، حَيثُ يَقول: (التَّسَامُح المُطلق؛ لَا يَستَلزم نسيَان المَاضِي بالكَامِل)..!

فالتَّسَامُحُ فَضيلَةٌ كَبيرَة، والفَضَائِل لَيسَت مُجرَّد «لِعب عيَال»، لِذَلك يُؤتَمَن العُقلَاء -فَقَط- عَلَى مَسؤوليَّة التَّسَامُح، وفِي ذَلك يَقول «جورج إليوت»: (مَسؤوليَّة التَّسَامُح؛ تَقع عَلَى عَاتِق مَن اتّسعَت آفَاقهم)..!

والإمَام «الشَّافعي»، مِن رُوَّاد شِعر الحِكمَة، إنْ لَم يَكُن إمَامه بِلَا مُنَازع، فهو لَم يَترُك فَضيلَة؛ إلَّا وأَوصَى بِهَا شِعراً ونَثراً، وهَا هو الدّور يَأتي عَلَى التَّسَامُح، حَيثُ يَقول إمَامنا «الشَّافعي»:

فَعَاشِرْ بِإِنْصَافٍ وَسَامِحْ مَن اعْتَدَى

وَلاَ تُلْقِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن!!

فالتَّسَامُح -كَمَا يُعرّفه العُقلَاء-، هو فَتح صَفحَة جَديدَة، سَواء تَمَّت إحَالة الصَّفحَات القَديمَة إلَى الأَرشيف، أَو إلَى المَحرَقة، لِذَلك يُبدِّل التَّسَامُح طَبَائِع البَشَر؛ مِن حَالٍ إلَى حَال، وهَذا التَّغيير الجذري؛ رَسم مَلَامحه الأَديب «روبرت فروست» حِينَ قَال: (لَا يُمكن لشَيء أَن يَجعل الظَّالِم عَادلاً؛ إلَّا التَّسَامُح)..!

وحَيثُ إنَّ التَّسَامُح صُورَة مِن صور التَّواضُع، فقَد أكَّد الفَيلسوف «تشولسكي» -عَلَى ذَلك ببَسَاطَةٍ- حِينَ قَال: (التَّسَامُح هو الشَّك؛ بأنَّ الآخَر قَد يَكون عَلَى حَق)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: يَا قَوم، إنَّ التَّسَامُح لَا يَصدر؛ إلَّا مِن نفُوسِ أُولِي العَزم؛ مِن الكِرَام والنُّبلَاء، وقَد بَسَّط لَنَا شَيخنا «أبوسفيان العاصي»؛ هَذه الفِكرَة حِينَ قَال: (اعلَموا -رَحمكم الله- أنَّ التَّسَامُح لَيس مَرهوناً بالتَّنَاسِي، بَل بالتَّرفُّع عَن الضَّغَائِن، والتَّسَامِي فَوق الإسَاءَات)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store