Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

إلغاء حفلات التخرّج الجامعية!!

A A
كنتُ ممّن حضر حفل التخرّج الذي أقامته جامعة الملك عبدالعزيز لدفعتها الطُلّابية رقم ٤٨ في الأسبوع المنصرم، وكانت بحقّ ليلة بهيجة وشهدِت فرحة عظيمة من الخرّيجين الذين زاد عددهم عن ١٦ ألف خرّيج، وهذا فقط من الأولاد لا البنات اللاتي حتماً سيُعمل لهنّ حفل مماثل في وقتٍ آخر، وعددهنّ أيضاً بالآلاف المُولّفة!.

وقد عجّت مُدرّجات الاستاد الجامعي بذوي الخرّيجين، وقرّت عيناي بنماذج واقعية للتلاحم الأُسَري المُميّز بينهم، ولا أخفيكم سرّاً أنّ دموعي ذرفت لرؤية خرّيج قبّل رِجْل أمّه المُقعدة عرفاناً لجميلها، ورفض أن تخلع أمّه حذاءها فقبّل الحذاء قاصداً الرِجْل، في مشهدٍ لن أنساه ما دامت روحي في الجسد!.

وبعد انفضاض سامر الحفل، راحت السَكْرة وجاءت الفِكْرة، إذ جلسْتُ أتأمّل مثل هذه الحفلات السنوية التي تُكلِّف جامعاتنا الملايين، وتكسوها الفرحة العظيمة من الجميع، ثمّ في نفس الوقت أو بعده بِهُنيْهة، تحِلُّ القَرْحة مكان الفَرْحة، والألم مكان الأمل، وبعد أن كان الخرّيج في الزمن الماضي الجميل يحتفل بتخرّجه في الليل ويُداوم في صبيحة اليوم التالي في مقرّ وظيفته الجديدة، أصبح أيضاً يحتفل بتخرّجه في الليل لكنّه يقبع في بيته أياماً وأسابيع وشهوراً وربّما سنوات وهو جالسٌ أمام شاشة حاسبه يُقدِّم طلبات التوظيف إلكترونياً للجهات الحكومية والأهلية فلا يجد أيّ وظيفة، واقعاً في براثن البطالة البغيضة، أو يجد وظيفة في القطاع الخاص لا ترتقي لتخصّصه براتب أقرب للرمزي منه للرسمي، ويرؤسه فيها وافد يتفنّن في تطفيشه، فيُفضّل البطالة على العمل!.

وهذا الوضع الحالي يجعل حفلات التخرّج أشبه بنفق مُضيء ومُؤنِس في بدايته، ومُظلِم ومُوحِش في نهايته، إن أخرج الخرّيج شهادته لم يكد يراها، تلطمه أمواج البطالة العاتية، وتقذف به من جانب سيىء لجانب أسوأ، إلّا من رحم ربّي واستشفع لمن أعانه على نيل وظيفة قد أمست حلماً في ليلة شتاء طويلة!.

أنا، وأعوذ بالله من الأنا، أقترح اقتراحاً ليس متشائماً بل متفائلاً، وهو إلغاء حفلات التخرّج الجامعية، وصرف ملايينها في أوجه صرف أهمّ، وعمل الآلاف من حفلات التخرّج بدلاً منها، بمعدّل حفلة واحدة لكلّ خرّيج عاطل ليلة حصوله على الوظيفة التي شَقِيَ في الدراسة لأجلها، وتُعمل الحفلة في بيت الخرّيج وبين ذويه بلا أيّ تكاليف، وبالفرْحة الحقيقية والأصلية لا التقليدية والشكلية، وليت شعري إنّها الفرحة المطلوبة التي ما بعدها فرحة، وكلّ عام والبطالة في نُقصانٍ مُبين!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store