Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

الصهيونية.. كيف أصبحت أيديولوجية في المؤسسات الغربية؟!

رؤية فكرية

A A
عند مقاربة الحركة الصهيونية علميًا وفكريًا؛ يجب أن نفرّق بين الصهيونية كحركة سياسية، وبين اليهودية كدين توحيدي من بين الرسالات السماوية كبقية الأديان الأخرى، ونعني الإسلام والمسيحية.. وعندما نظّر هيدلز في نهاية القرن التاسع عشر، وفي المؤتمر الصهيوني الأول، جرى التفريق بين الصهيونية الدينية، والأخرى السياسية، وهو ما يتفق في مضمونه مع تعريف للمفكّر والسياسي البريطاني المعروف دينس هيلي، حيث أشار في مذكراته إلى أن «الصهيونية مزيج من الإمبريالية والنزعة القومية»، وكانت من ضمن الوسائل التي استخدمها منظرو الحركة لنشر أفكارهم ورؤاهم التنظيرية هو الإعلاء من شأن التوراة، أو ما سمّي بـ»العهد القديم» في مقابل المسيحية، أو «العهد الجديد»، حيث جعلوا العهد القديم هو الذي يسنّ التشريعات والقوانين، بينما أدخلوا في روع الأوروبيين أن العهد الجديد ما هو إلا مجموعة من الحكم والأمثال، ولكنه يخلو من أي قاعدة تشريعية، والغاية من ذلك واضحة وجلية، بحيث يصبح العهد الجديد ومعتنقوه خارج دائرة وسلطان اتخاذ أي تشريع متصل بالدين، بما يجعل تبعيتهم للعهد القديم في ذلك مطلقة ومحسومة، وهو ما يعني بالضرورة ارتباطهم الروحي والوجداني والعقدي بالصهيونية الدينية، ومن ثم بالصهيونية السياسية في تلازم لا فكاك منه. وعندما تأكدوا أنه قد تم في العقول والأفكار الدمج بين الصهيونية واليهودية، أصبحت الصهيونية تحظى بما تحظى به اليهودية كدين من تقديس.

ثم جاءت مرحلة أخرى، اعتمادًا على مبدأ التقديس، بأنه لا يجوز المساس بالصهيونية، ولهذا لا يرتفع صوت بمناهضة الصهيونية إلا وتم محاكمته محاكمة المجرمين.. ومثالنا في ذلك ما حدث مع المفكر الفرنسي روجيه جارودي في كتابه «حالة إسرائيل The Case Of Israel». وقد خلفت هذه الحالة من التقديس للصهيونية ذعرًا في نفوس الغربيين، فلا يتكلمون إلا همسًا في حالة توجيه نقد للصهيونية، بل أصبح بعضهم يقدّم الولاء للصهيونية على الولاء لبلده، كما هو الشأن في حالة المنظّر العمّالي ريتشارد كروسمان، الذي اعترف للمؤرخ الإنجليزي ديفيد شايلدز David Childs بأنه يفتخر في مسيرته السياسية والفكرية بأنه نذر نفسه لخدمة الحركة الصهيونية السياسية، فنشأ عن هذه الحالة عند منتقدي الحركة الموضوعيين ما سُمّي بمصطلح «الولاء المزدوج» توصيفاً للموالين للحركة، فأصبح بعد ذلك العداء للسامية تهمة جاهزة تلاحق أي شخصية مهما كان وضعها، حتى أنّ أميرة (كنت) لم يسلم والدها من هذه التهمة، فخرجت في قنوات إعلامية بريطانية وهي تبكي وتعتذر عمّا كان والدها يحمله من أفكار، مع أنه لم تكن هناك أدلة واضحة على اعتناق والد هذه الأميرة لمبدأ عداء السامية (Anti-Semitic ).

وعندما تأسس الكيان الصهيوني فوق الأرض العربية والمسلمة؛ فلسطين، كان هناك تياران أحدهما يبشّر بالصهيونية الدينية، وما يتبعها من أساطير ورؤى، في مقابل تيار آخر هو الصهيونية السياسية، التي يمكن القول إنها تكاد تختفي من المجتمع الإسرائيلي.

وللتاريخ فقد ظل معتنقو الصهيونية السياسية هم من يقودون المجتمع الإسرائيلي حتى حلّت حرب أكتوبر 1973م، وصعد منظّرو الحركة الدينية، أو الصهيونية الدينية، من أمثال بيجين وشاميير وشارون، فنشأت مرحلة نادت بالسلام وفق الرؤى الصهيونية، وجرت العديد من الجولات في عدد من العواصم العالمية، بين شد وجذب، ومطالبات بالتنازلات وفرض للأجندات، والمشكلة قائمة بأن المجتمع الإسرائيلي كان على خلاف قادته السياسيين غير راغب في السلام، ومُصرّاً على احتلال كافة الأراضي العربية والإسلامية في فلسطين، مدفوعين بأساطير توراتية تبيح لهم الأرض العربية وما فيها، وفي ظل هذه المجاذبة بين الرفض الشعبي الإسرائيلي وإقبال قيادته على السلام، كان الموقف العربي قيادة وشعبًا متسقًا في السعي نحو السلام، وذات الموقف يتكرر في هذه المرحلة الحرجة والصعبة التي يعاني من تبعاتها الجميع وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني الأعزل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store