Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

(الاشتراكية).. مطلب لساسة شباب بأمريكا

A A
كان الاتحاد السوفيتي في الخمسينيات وما بعدها يرفع شعار الاشتراكية كسبيلٍ أمثل لبناء الاقتصاد والدولة، ونجح في جعله شعاراً في ذلك الوقت، في مواجهة الرأسمالية المتمثلة في دول أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية.

وسارعت الدول التي تحرَّرت من الاستعمار البريطاني والفرنسي حينها إلى تبنِّي الاشتراكية كشعارٍ لها وسبيل للحكم.. فالاشتراكية بمفهومها لدى حُكَّام العالم الثالث، كانت تعني هيمنة الدولة على مُقدَّرات البلاد، اقتصاداً وسياسة ومجتمعاً.

وعملت بعض الدول على تغيير أسمائها إلى «الديمقراطية الاشتراكية»، وأضافت لها دول أخرى صفات ومسميات مثل الاسم الذي أطلقه القذافي على ليبيا بوصفها «بالجماهيرية»، وأصبح الاشتراكي (تقدمياً) في مفهوم هؤلاء ومقابله الرأسمالي (الرجعي).. ثم سقط الاتحاد السوفيتي ومعه منظومة دول أوروبا الشرقية التي تسير في فلكه، وتلاشت الشعارات الاشتراكية من مسميات دول كثيرة. واحتفظت الصين بالاشتراكية والشيوعية التي كانت تشارك السوفيت فيها، ولكنها تبنَّت الكثير من الأنظمة الاقتصادية الأمريكية والأوروبية، لتصبح اليوم بلد أكبر عدد من الأثرياء (البليونيرات) في العالم.

وكانت الاشتراكية بمفهومها العام، أي المشاركة في امتلاك الثروة وإدارة شؤونها عبر الدولة التي يشارك فيها المواطن بممثلين له في مجالس تملك صلاحية التشريع واختيار الجهاز التنفيذي، مغرية للكثير من الناس، مع أنها لم تكن تُطبّق بهذا الشكل، ورغماً عن المسمى الرأسمالي الذي تحمله دول أوروبية عديدة، فإن نوعاً من النظام الاقتصادي الاشتراكي ينفذ فيها بشكلٍ أو آخر، مثل مجانية العلاج الصحي، وتوفير فرص العمل، وغير ذلك، والذي ينفذ في بلاد مثل بريطانيا والسويد، بل إن هناك قوانين في أمريكا تُنظِّم النشاط الاقتصادي يمكن وصفها بالاشتراكية، فالمفهوم الاقتصادي الرأسمالي والاشتراكي أصبح أكثر تقارباً واندماجاً مما هو عليه في النظريات التي تدرس بالجامعات، ويحمل حزب العمال البريطاني نظريات اقتصادية اشتراكية على درجة متفاوتة من النظريات الاشتراكية، وجاء توني بلير، زعيم الحزب ورئيس الوزراء السابق، بنظرية جديدة سمَّاها «الطريق الثالث»، وهي خليط من الرأسمالية والاشتراكية، وأعجب الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بنظرية بلير وسعى إلى تنفيذ بعض منها في برامجه الاقتصادية التي تمَّت حين كان الحزب الديمقراطي مهيمناً على الكونجرس الأمريكي.

ما يثير كل هذا الحديث عن الاِشتراكية، هو صعود سياسيين شباب إلى الكونجرس الأمريكي يُنادون الآن بالاشتراكية كنظامٍ اقتصادي يُطبَّق في أمريكا، ويُطالبون برفع الضرائب وتقليص ثروات الأغنياء في البلاد، ومعظم هؤلاء من الجنس الناعم، وأصبحت السياسيات الأمريكيات الشابات؛ صاحبات الصوت الأعلى المطالب بالعدالة الاجتماعية عبر تطبيق قوانين وأنظمة يصفنها بالاشتراكية، بحيث ترفع الضرائب بشكلٍ يمنع صعود امبراطوريات أمريكية مالية، ويُقلِّص الثروات العالية الموجودة في الوقت الحاضر، أكان لدى الأفراد أو المؤسسات.

ولاشك أن هذه الظاهرة ستتصاعد حدّتها مع تذمُّر كثير من الجيل الجديد في أوروبا وأمريكا، مما يرونه أوضاعاً اقتصادية تزيد الثري ثراءً ولا تعطي الفقراء ما يشعرون بأنه حق لهم. ومثل هذا الوضع سينعكس على كثيرٍ من الأمور إذا ما نجح، وكذلك الأمر إذا فشل الساعون إلى «الاشتراكية» في أمريكا وأوروبا في الوقت الحاضر. ويتطلب دراسة له وعلى انعكاساته عالمياً، وعلى دور الحزب الديمقراطي بأمريكا الذي ينتسب هؤلاء الشباب والشابات إليه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store