Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

قطار الإهمال يصفر في محطة مصر!

إضاءة

A A
تحتاج مصر في كل كارثة تحل أو تحيط بها ليس فقط إلى ضبط الأعصاب، وما يتبعه من وقف حملات التشمُّت والملامة، وإنما لضبط التصريحات، وما يلزمه من اختيار الألفاظ والكلمات والتعبيرات المناسبة! فإن قلنا في الحالة الأولى: إن عوامل الانقسام وموجات الاستقطاب ساهمت وتساهم في الظاهرة الأولى، التي يتورَّط فيها العامة -عامة الشعب-، فماذا عن الظاهرة الأخرى الخاصة بالسادة المسؤولين؟!

في حوادث القطارات التي لم تنقطع، وبموازاة أو لإسكات الأصوات اللائمة أو حتى اللئيمة، وعبارات القصف والشتيمة، تبرز التصريحات الوردية المعتادة عن قرب وصول القطارات الفارهة، ذات المقاعد الوثيرة والتكييفات الحالمة، ومع مرور الأيام وانطلاق قطار الزمن، ينسى الموجوعون وجعهم، ويتوقف اللائمون عن لومهم، ويمتنع اللؤماء عن تصدير لؤمهم، ومع أول حادث اصطدام يعود الحال إلى ما كان عليه!

ومن الواضح أن اصطدام قطار الأحلام، أو الأوهام، هذه المرة، كان مروعا، ومدويا، حيث اصطدم بـ»محطة مصر»!.. صحيح أن قطار البدرشين خلّف مئات الضحايا، وقطار البحيرة كذلك، ناهيك عن خط الصعيد، وخط المناشي وطنطا طريق منوف، وخط دمياط والمنصورة، لكن أن يصطدم قطار الإهمال بمحطة مصر، فذلكم هو الفساد بعينه!

يخرج رئيس الوزراء، وبجواره معالي وزير النقل، ومعالي وزير الصحة، ومعالي وزيرة التضامن، في مشهد بات معتاداً، وتُسارع الكاميرات بالتقاط الصور تأكيداً للتضامن والتفاعل، وعدم دخولهم المكتب أو البيت قبل الاطمئنان على الوضع.. ثم يبقى الوضع على ما هو عليه!

ويزداد الوضع سوءاً مع كل تصريح يخرج من هناك، حيث يُؤكِّد رئيس الوزراء أن الحادث لن يمر ببساطة! جميل! وأنه لن نسمح بأي تخاذل! رائع! وأنه انتهي زمن التغاضي! ممتاز! سمعتها مثل ملايين غيري باهتمامٍ شديد، قبل أن أكتشف أن سيادته يقصد ما يلي: لن يمر الحادث ببساطة على السائق! ولن نسمح بأي تخاذل من السائق، ولن نتغاضى عن عقوبة السائق!

وإمعاناً في التأكيد على أن المشكلة كل المشكلة في السائق، لا في المنظومة، تتسابق الصحف في نشر الأخبار عن السائق الذي مات، قبل أن نكتشف أنه حي! وعن السائق الذي هرب، قبل أن تنجح القوات في القبض عليه! وقبل أن يُؤكِّد أنه وحده المسؤول عن الكارثة، لأنه ترك القطار وقفز إلى القضبان الأخرى عدواً على الفلنكات، ليُوبِّخ سائقاً آخر، كاد أن يصدمه!

لا أنفي جريمة سائق القطار، إن كان بالفعل تركه يجري وحده ليصطدم، لكن ماذا عن السائقين الآخرين، كل في مكانه وموقعه؟.

أعرف أن الحادث ليس هو الوحيد، وأنه يحدث في كل مصر وعصر، لكن أن يصطدم قطار الفساد بمحطة مصر، فهذا أبداً لا يُبشِّر بخير!

لقد درجنا على أن قطارات الإهمال تنحرف أو تنفجر، في كل مرة بعد أن تُدير ظهرها لمحطة مصر، التي هي «القاهرة»، لكننا هذه المرة فوجئنا بقطار الفساد شخصياً لا يريدها قليوب أو حتى شبرا، وإنما يريد أن يقترب أكثر، وأن يتحدث عن نفسه أكثر وأكثر، ناسفاً رصيف محطة مصر، فهل من معتبر؟!

في كل وقفة حزن، ألوذ بالشاعر فؤاد حدَّاد، مستلهماً أو مستشعراً أو مستعطفاً الشعور بالأمل، لكني وجدته هذه المرة يقول: يا ريت تاكلني الغولة أم الغول.. ولا أشوف عيونكم في الدموع علطول.. ويا ريتها خطفت عيني ميت حداية.. ولا أشوفكوا مكسورين وضحايا.. أنا كل ما بصيت في قلب مراية.. بشوف وجوهكم الصامتة تتكلم.. ولساني مشلول مكبل.. في بليد القول.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store