Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. ياسين عبدالرحمن الجفري

التجسس.. صناعة رائجة

A A
استطاعت شركات التقنية الحديثة أن تستفيد من تلهُّف الناس على استخدام تقنياتها، لتحصل على معلومات الفرد الهامة وبملء اختياره، بحيث أصبح كالكِتَاب المكشوف أمامها، الوضع الذي دعم شركات التسويق في الوصول إلى معلومات كان من الصعب الحصول عليها من قبل. واستطاعت أن تبني من خلالها استراتيجياتها بقدر أقل من الأخطاء. وأصبحت قِيَم هذه الشركات -ذات القدرة على الحصول على المعلومات- أعلى مما تُحقِّقه من دخل. فتجد شركة مثل «الواتس أب» تُباع بمليارات الدولارات، ليس لشيء، وإنما لنوعية وحجم المعلومات المتوفرة من خلالها، وقِس على ذلك الكُل، بدءاً من «الفيس بوك» إلى غيرها. وحتى الشركات الأخرى التي تستفيد منك بصورةٍ مباشرة، مثل «أمازون»، فهي تستفيد من معلوماتك، حيث تُكوُّن معلومات عن ذوقك ونمط شرائك وقدرتك المالية. وأصبحنا بالتالي كالكِتَاب المكشوف لجهةٍ تبعد عَنَّا آلاف الأميال، تعرف الكثير عنَّا وعن خصوصيتنا أكثر من الأفراد الذين نعيش معهم.

القضية أننا أصبحنا بدون أسرار، وأن أي معلومة عنَّا موجودة بسهولةٍ لمن يُريد معرفتنا بضغطة زر. أصبحنا بفعل التقنية والعصر الحالي معروفين بكل وضوح، واختفت خصوصيتنا، والمصيبة أننا أصبحنا نبحث عن المزيد بفعل الهجمة الرقمية الحالية. فمتى نتوقَّف بدلاً من الاندفاع الحالي، والمصيبة أن توجُّهنا واندفاعنا أصبح ناجماً من رغبتنا في الثراء، بكشف أنشطتنا اليومية، ومجاهرتنا بها. مما يجعلنا كالدفتر المفتوح، يسهل قراءته بصورةٍ دقيقة، وبدون طلاسم.

قديماً كانت الأبحاث والإعلام أهم مصدر للمعلومات، ولكنها كانت محدودة النطاق والتغطية، وبعيداً عن التحديد والتوجيه. فنحن حالياً أمام وضع جديد ومختلف كلياً، حيث أصبح التنميط والتحديد والتوجيه أمراً ممكناً، وعلى المستوى الفردي، بعد أن كان حلم المُسوِّقين والشركات، وكان الإنفاق على بحوث التسويق مرتفعاً للحصول على جزء من المعلومات المتاحة لهم اليوم. ويتم استنباط ما يرغبون في معرفته من خلال بناء افتراضات واختبارها.

الوضع اليوم اختلف، وأصبحت عملية التنقيب عن البيانات ودراستها توجُّهاً جديداً من المهم بناء المعرفة والخبرة فيه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store