Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

مصالحة تاريخية بين الغزالي وعبد الرحمن الشرقاوي

A A
نهرني راهب الصحافة المصرية وحارسها الأمين عبد الوارث الدسوقي ابن "كفر دنشواى"، عندما سألني الأستاذ فيليب جلاب الجالس في مكتبه عن اسم قريتي فنطقتها دون تعطيش حرف الجيم "رملة الأنجب"! أعاد ترديدها كما ينطقها أهلنا هناك، قبل أن يسألني عن سر تجهمي وغضبي!، كان قد كلفني بإجراء حوار مع الأديب الرائع صاحب "قنديل أم هاشم" ونشر الحوار دون اسمي!

كان مكتب الأستاذ الدسوقي يعج بأعلام في الفقه والفكر والصحافة من كافة التيارات، بل والأديان.. فيليب جلاب القبطي واليساري الكبير، يجلس بجوار الدكتور الأحمدي أبو النور، وسامية بولص ابنة الأنبا بولس تجلس مع الكاتبة الدكتورة نعمت أحمد فؤاد، والنقيب اليساري كامل زهيري، يجلس مع العالم الأزهري الدكتور عبد الجليل شلبي، وأنا أقف ممسكاً ببروفة الصفحة، أتلكأ في عرضها على الأستاذ الدسوقي، علِّي أحظى بمزيد من الدقائق واللحظات التاريخية الممتعة!

قال لي وهو يهدئ من روعي: سنحاسب المتسبب، وسأكافئك الليلة بحوار أهم! وكنت في طريقي لمصر الجديدة للالتقاء بفضيلة العلامة الشيخ أحمد حسن الباقوري!.

ورغم أهمية الحوار مع الشيخ الباقوري، وحديثه العذب، فقد عدت بما اعتبرته حينها "خبطة صحفية كبرى".. كان فضيلته يتحدث هاتفياً مردداً في نهاية المكالمة: أن "الغزالي والشرقاوي" يحبانه كثيراً وسيرضيان بحكمه وسوف تنتهي المشكلة قريباً!.

في صباح اليوم التالي اتجهت مباشرة لمكتب الأستاذ الدسوقي لأخبره بما سمعت، فضحك قائلاً: إنه كان الطرف الآخر الذي يتحدث مع الشيخ، وعندها رجوته أن يأخذني معه.. وأن يسمح لي بأن أسأله عن مكان تصوير فيلم الأرض، قال مبدياً الموافقة على السماح لي بالحضور: "مش وقت الأرض..خلينا نحل المشكلة الأول".. وقد كان.. حضرت أهم وأجمل مصالحة بين عملاقين أحدهما عالم فذ هو العلامة الشيخ محمد الغزالي صاحب كتاب "الحق المر"، والآخر هو الكاتب الرائع عبد الرحمن الشرقاوي صاحب رواية "الأرض التي تحولت الى أهم فيلم في تاريخ السينما المصرية.. وكان محور الخلاف يدور حول اجتهاد الشرقاوي في كتابه الشهير "علي إمام المتقين"!

جلست مع الجالسين من أعلام الفقه والفكر والصحافة والسياسة وقد انشطر قلبي إلى نصفين.. نصف مع بلدياتي وكاتبي المفضل ابن قرية "الدلاتون" عبد الرحمن الشرقاوي والنصف الآخر مع شيخي محمد الغزالي!

كان الغزالي قد هاجم الشرقاوي بضراوة، فور صدور كتاب "علي إمام المتقين"، ولم يكتفِ في هجومه بخطبته في جامع عمرو بن العاص، وإنما راح يفند أخطاء الشرقاوي في عدة محاضرات وصحف، ما دعا الشرقاوي، إلى أن يشن هجوماً حاداً على الشيخ في سلسلة مقالات متتالية..

كنت قد قرأت ما ذكره الشرقاوي مهاجماً ومعاتباً الغزالي قائلاً: "وأقسم أنني على الرغم مما تلقيت منك من اتهامات وطعنات، لحزين من أجلك! إننا لم نلتقِ من قبل! ولكني أهديتك كتابي عن أئمة الفقه الاسلامي، لما طلب مني ذلك الأستاذ محمد عبد القدوس، وكتبت لك كلمة إهداء فيها تحية، عسى أن أسر بها محمد زوج كريمتك، ولكنك سامحك الله، قابلت هذا التودد بهذه المحاضرة التي حشدتها بالمطاعن علي وعلى الطبري، وغيره من أئمة الدين، بل حرضت علي، عفا الله عنك، وهداك لما فيه الصواب! ولأن ذلك كذلك، فقد تصورت أنها ستكون معركة متجددة، قبل أن ينسل صوت الشيخ الباقوري مرطباً ومحيياً العملاقين الكبيرين، فيما تضيء وجوه الحاضرين بشراً!

أتذكر هنا ملامح الفرحة الغامرة التي تملكت العلامة الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام السعودي الأسبق الذي حضر المصالحة، فراح يحتضن الشيخ الباقوري شاكراً ومقدراً وكأن المتخاصمين أخواه!.

نعم إنها الأخوة التي كانت سائدة، وإنها قيم التسامح والتصالح والصفح الجميل! أتذكر أستاذي الدسوقي ابن قرية "كفر دنشواي" بالشهداء، وهو يتلقى التهاني من العلماء والأساتذة الكبار.

تمنيت أن يترك لي المحيطون بالأستاذ الشرقاوي دقيقتين لأسأله عن مكان تصوير فيلم الأرض دون أن أتمكن من ذلك.. وكنت أمضي إلى محطة مصر رصيف ١٦ للحاق بآخر قطار.. طنطا - طريق منوف.

تركت مصر وسافرت الى بريطانيا وبعدها بنحو ثلاث سنوات مات صاحب "الأرض" دون أن أحظى بالإجابة.. ثم فوجئت مؤخراً بزميلة عزيزة ترسل لي مقالاً لنائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور علي السلمي يقول فيه إن فيلم الأرض تم تصويره في قرية "رملة الأنجب" الأمر الذي ينفيه تماماً كل من سألتهم.. وتلك قصة أخرى!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store