Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

جريمة المسجدين.. حلقة في سلسلة!

A A
وتعود كرَّة الاعتداء على المصلَّين في دور العبادة، مُزهقةً أرواح العديد منهم برصاصٍ إرهابي جبَّان يُطلَق خلف ظهورهم، وهم في لحظات مناجاة مع خالقهم، يرجونه العفو والعافية، والسلامة والأمن، والاستقرار والسلام لخلقه، على تعدُّد انتماءاتهم وأعراقهم.. يثير مرتكب الجريمة الهلع والرعب ليس بين المصلِّين الذين قضى على عشرات منهم؛ دون أن يكون بينه وبينهم اختلاف، إلَّا في العقيدة فحسب.

شاهدنا ذلك في مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل في فلسطين يوم الخامس والعشرين من فبراير عام 1994 التي ارتكبها مجرم أسترالي إسرائيلي قضى على خمسين شهيدًا، ومئة وخمسين جريحًا. وتكرَّرت هذه الاعتداءات الإجراميَّة في أكثر من مسجد في فلسطين، وفي بلدانٍ آسيويَّة وإفريقيَّة. وكذلك في عددٍ من كنائس مصر العربيَّة، بغية إشعال نيران الفتنة بين المصريِّين «مسلمين وأقباط». ونراها كذلك يوم الجمعة الماضي، الخامس عشر من مارس الجاري في مدينة كرايست تشيرش بنيوزيلندا، حيث ارتكب إرهابي عنصريّ مذبحة بشعة داخل مسجدين للمسلمين، وصفتها رئيسة وزراء نيوزلندا أنها عمل إرهابيّ، وأنَّ يوم وقوعه هو من أحلك الأيَّام في تاريخ بلادها، مؤكِّدةً أنَّ حصيلة ضحايا الهجوم بلغت تسعة وأربعين قتيلًا، وأنًّ ما حدث في مدينة كرايست تشيرش: «عمل على درجة غير مسبوقة من العنف. وأنَّه لا مكان في نيوزيلندا لهذه الظاهرة ولمن نفَّذ هذا الهجوم». وأضافت: «العديد من الضحايا؛ أعضاء في مجتمعات المهاجرين، ونيوزيلندا هي بيتهم، وهم نحن».

عباراتها الأخيرة هذه هي بيت القصيد في هذا المقال. فالجريمة هي ذات طابع عنصري ارتكبها واحد ممن يجهلون تركيبة المجتمع النيوزيلندي. فأجدادهم البيض الأوائل هم في غالبيَّتهم مهاجرون غزاة أبادوا مَن كان قبلهم من سُكَّان الجزيرة، ليستغلّوا ثروات البلاد والعباد. وهذا بالتأكيد ليس من أخلاق المسلمين الذين انتشروا في أرجاء المعمورة على مدى ألف وأربعمئة عامٍ، ناشرين روح الأخوَّة والمحبَّة والتسامح والتعايش في المجتمعات على تعدُّد الأعراق والمعتقدات. والعرب المسلمون الذين قدموا إلى نيوزيلندا خلال السنوات العشر الماضية أمَّلوا بحياةٍ أفضل بعد هربهم من بلدانهم؛ التي عمَّتها الفوضى الهلّاَكة، واغتنامًا لفرص أفضل للعمل؛ موفِّرين نقص الأيدي العاملة في بلدانٍ مرفَّهة اقتصاديًّا، وفيها العديد من فرص العمل التي بممارستهم لها تزيد في الناتج الوطني للبلد المضيف.

هذا الإجرام والعنف وقتل الأبرياء حتَّى وهُم في بيوت الله، ليس بالجديد على المسلمين، يُمارسه ضدهم العديد من العنصريِّين الذين يعملون عن معرفة أو بدونها؛ لصالح مجموعات من محتكري المال والأعمال، موجِّهي الاقتصاد العالمي لفائدة بيوت ماليَّة يعرفها كلُّ مَن يُتابع تقلُّبات السياسة العالميَّة المفاجئة.

وكم يكون مفيدًا ضبط النفس، والمجادلة بالتي هي أحسن، والتزام التقوى في القول والعمل، وعدم الاندفاع في ردَّات العنف. فهذا عين ما يطمح له المجرمون وهم يعملون على تأجيج نار الفتنة والأحقاد لشن حروب مدمِّرة؛ تتطلَّبها منتجات مصانعهم الحربيّة، لتوفير ميادين تجريبيَّة بعيدة عن أراضي مصنّعي أدوات القتل والدمار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store