Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

العمل وثقافة العيب

بانوراما

A A
منذ أربعين عاماً خلتْ كنتُ أساعدُ والدي رحمه الله في مطعمِهِ قبل أن أنصرف إلى المدرسةِ، فأستقبل الزبائن، وأسجل الطلبات، وأحملها إلى أصحابها، إلى غير ذلك من الأعمال.

كنتُ أتأملُ في أولئك الزبائن فأجد فيهم النجار والحداد والطباخ والبنَّاء والسمكريّ وغيرهم من أصحاب المهنِ اليدوية، وكان اللافتُ للنظر أنّهم في معظمهم من المواطنين أبناءِ البلد، ولم يكن أحدٌ منهم يستحيي من عمله، أو يشعر بالنقص، بل كانوا يفتخرون بإتقانهم لعملهم، وتميُّزِهم فيه، إلى درجة أن عدداً من العوائل قد انتسبتْ إلى مهنتها، فكان في مكة بيت النجار، وبيت الحداد، وبيت الطباخ وهكذا.

ثم أفاء الله على بلدنا بما أفاء من خيرات، فأمَّها كثيرٌ من أبناء الشعوب حتى وصلت العمالة الوافدة إلى أكثر من مئتي جنسية. ومن هنا أصبحت بلادنا -كما قال صاحب السموّ الملكيّ الأمير نايف رحمه الله- معهدًا عالميًّا للتدريب تعلمت فيه العمالة الوافدة، ثم أسهمت بما استطاعت الإسهام به. في تلك الفترة ابتعد شبابنا عن ممارسة الأعمال المهنية، حتى ظَنَّ بهم مَنْ لا يعرف تاريخ هذا البلد أنهم سيعيشون عالة على غيرهم وأنّهم لا يستطيعون تدبير أمورهم.

ليس صحيحاً أن الشباب السعوديّ قد أفسدته (الطفرة) وبات غير قادر على الإنتاج، بل هو -على خُطى أسلافِهِ- منتجٌ مبدعٌ.

لكن من المهم هنا أن يعي الشابّ السعوديّ حقيقة أن العمل الحُر الحلال لايعيبُ أحداً، فقد كان أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم يعملون بالرعي والنجارة والحدادة.

والانخراط في هذه المجالات المهنية سيوفر للوطن كفاءاتٍ فاعلةً تغنيه عن الاحتياج للآخرين، وسيحدُث توازناً محموداً، وتوزيعاً سليماً، بين من يسهم بعلمه وفكره، ومن يسهم بعمل يده، فيحصل التكامل والتكافل.

لقد وضعتْ رؤية 2030 أهدافاً طموحةً، لن نتمكنَ من تحقيقِها ما لم نخُضْ كل مجال، ونقتحمْ كل ميدانٍ.

نعم .. ينبغي أن تبذلَ الدولةُ جُهدَها في توفيرِ الوظائفِ، وتنويعِ الخيارات، وإتاحةِ الفرصِ، ولكنّ هذا وحده لن يبلغَ منا أمانينا ما لم يبادرْ الشبابُ بالعمل المهنيّ الجادِّ بعيداً عن ثقافةٍ كانتْ تتوهّم (العيب) فيما هو في حقيقته شرفٌ للإنسان.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store