Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

ميا كي: صديق المكفوفين

بانوراما

A A
الياباني (سيتشي ميا كي)، ذكر له مرةً أحد أصدقائه قائلاً: إن نَظَرَه بدأ يتدهور سريعاً بسبب عارض صحي ألمَّ به مما جعله يجد صعوبة كبيرة في التنقل بأمانٍ سيراً على قدميه لقضاء حوائجه، مبيناً له شعوره بالخوف العميق من احتمال أن يقع بالخطأ في مسار القطار أثناء تحرّكه، وما يشعر به من فزعٍ عند عبوره الطريق وسيره على الرصيف في أوقاتِ الزحام، كما وضح له ضعف حاله وتشاؤمه مما قد يكون عليه الحال مستقبلاً عندما يفقد بصره تماماً. تأثَّر (ميا كي) من معاناة صديقه، وأخذ يُفكّر في المخاطر التي سوف يواجهها صديقه في المستقبل، والتي لا تخطر على بال الكثير من الذين لا يعانون من ضعف البصر، والطريقة التي يمكن بها مساعدته في حل مشكلته. بعد تفكير عميق توصل (ميا كي) إلى ابتكار ما سُمِّي ببلاط المكفوفين؛ وهو بلاط ذو لونٍ أصفر فاقع -يُمكِّن ضعيفي النظر من ملاحظته- رُسم عليه قطع مستطيلة طوليّة الشكل، يُعنَى بها إشعار الكفيف بأن «الطريق سالك»، أو قبب صغيرة الشكل ومتفرقة تَعنِي «احذر»؛ يشعر بها الكفيف عند سيره بقدمه عليها أو يتحسَّسها بعصاته التي في العادة يحملها المكفوفون ليستدلوا بها على الطريق. وبذلك يكون هذا البلاط بمثابة مسار آمن يسير فيه المكفوف إلى نقاط قطع الطريق، ويُبقيه في مسارات المشاة إلى أن يبلغ المكان الذي يود المكفوف زيارته. دفع (ميا كي) من جيبه الخاص تكاليف تصميم وتصنيع ابتكاره، وفي عام 1965م قام بالترويج له في مدينته (أوكاياما) باليابان، كان من نتيجته أن قامت مدرسة المكفوفين بـ(أوكاياما) في عام 1967م بتبنِّي الابتكار ووضعه على أرصفة الشوارع المجاورة للمدرسة؛ ليتمكَّن طلابها المكفوفون من السير من وإلى المدرسة بأمان. بعدها حظي ابتكاره بسمعةٍ عالمية كان من نتيجته أن اعتمد الابتكار عام 1985م في شتى أنحاء اليابان، وما لبث أن انتشر الابتكار في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والعديد من الدول المتقدمة حول العالم، وذلك في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. وبلاط (ميا كي) للمكفوفين تجده اليوم في الكثير من الدول كشبكة أرصفة مشاة خاصة بالمكفوفين في الشوارع وأرصفة القطارات والموانئ. إنها قصة عجيبة في أصلها؛ فقد أمست هذه الصداقة بين (ميا كي) وصديقه الكفيف دافعاً له لأن يحسن لصديقه بابتكارٍ بسيط في طبيعته، ولكن ذي تأثير عميق أثرى حياة هذا الصديق عرفاناً لأُصُرِ الصداقة بينهما، وانتهى بأن أحسن إلى جميع المكفوفين في العالم بهذا الابتكار. وهذا هو أسمى ما يمكن أن يُحقِّقه المبتكر. فهنيئاً لصديق (ميا كي) بهكذا صديق. يقول الإمام الشافعي: سلامٌ على الدُّنيا إذا لم يكن بها صديقٌ صدوقٌ صادقُ الوعدِ منصفا
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store