Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

رهان زينل والفلاح: التعليم.. ثم التعليم!!

A A
تظل قصة «مدرسة الفلاح» درسًا تاريخيًّا على أن رهان المستقبل المشرق يجب أن يكون في التعليم، لأن التعليم منطلق كل المبادرات، وقصة افتتاح الفلاح معبّرة عن ذلك بكل تفاصيلها:

يذكر محمد علي مغربي أن الشاب محمد علي زينل كان في العشرين من عمره حين راعه ما كان يراه من الجهل المطبق الذي يغطي الحجاز، إبان الحكم التركي على الحجاز، فقرر -مع نفر من الشباب الغيور- افتتاح مدرسة مصغرة لتعليم القراءة والكتابة في جدة في عام 1323هـ. يقول زينل: «هالني الأمر ووجدت أنه لابد من عمل شيء لتغيير الحال وتعليم الأولاد القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة على الأقل، ولم يكن مسموحًا بافتتاح المدارس أو الكتاتيب في ذلك العهد.. فاستأجرنا مقعدًا في بيت ذاكر بحارة الشام، -المقعد هو المجلس الذي كان يوجد في مدخل كل بيت لاستقبال الرجال وجلوس صاحب المنزل به في ذلك الحين-، واتفقنا مع أحد الفقهاء على تدريس الأولاد مبادئ القرآن الكريم والكتابة، وتعليمهم صغار السور بين المغرب والعشاء.. وقد اخترنا هذا الوقت لنختفي عن عيون الدولة آنذاك، حيث لم يَكُن مصرحًا لنا بهذا العمل، ولأول مرة وجدنا أن هناك مخاطر في خروج الأولاد للدراسة وعودتهم تحت جنح الظلام، فاتفقت وأصدقائي عبدالرؤوف جمجوم ومحمد صالح جمجوم، ويحي سليم ومحمد صالح نوار، أن يذهب كل منّا إلى منازل الأولاد (بعد الاتفاق مع آبائهم)، لنأخذهم إلى هذه المدرسة الصغيرة، ثم نعيدهم إلى منازلهم بعد انتهاء الدروس.. وكنَّا قد تقدَّمنا إلى الحاكم التركي بطلب التصريح لنا بافتتاح مكتب لتعليم القرآن الكريم، وقد حصلنا أخيراً على هذا التصريح، فأصبحت المدرسة تمارس نشاطها في وضح النهار، وأخذنا نُشجِّع الكثيرين على إرسال

أولادهم إليها».

«وحين حصل على الترخيص الرسمي بافتتاح المدرسة -والحديث لمحمد مغربي- استعان زينل بزوجته التي باعت كل ما تملكه من حلي ومجوهرات، لشراء مبنى المدرسة الذي كان معروضًا للبيع.. ثم اضطر الرجل للسفر إلى الهند لتدبير المال اللازم للصرف على المدارس التي أخذت تنمو وتكبر عاماً بعد عام، والتي كان يُنفق عليها من ماله الخاص دون معونة من أحد». وافتتحت فروع أخرى للفلاح في كل من مكة المكرمة عام 1330هـ، وفي بومباي عام 1350هـ، وفي عدن وفي دبي عام 1347هـ وفي البحرين، وكانت النية قائمة لإنشاء فرع في المدينة المنورة، لكن ذلك لم يتيسَّر.

في ذلك العهد كانت الفلاح تدرس وتخرج أسماء لامعة من رجالات الدولة ومثقفيها وكتابها من أمثال محمد حسن عواد، وحمزة شحاتة، وأحمد الغزاوي، وأحمد قنديل، وعبدالوهاب آشي، ومحمد عمر عرب، ومحمود عارف، وغيرهم الكثير.

هذا يقود إلى أن الفلاح –مبادرةَ زينل ورفاقه- لعبت الدور الأبرز في تشكل المجتمع الأدبي والفكري في نهايات العهد الهاشمي، وبدايات العهد السعودي، إذ إن أبرز رواد ذلك المجتمع مُتخرِّجون من الفلاح، وقد كانت انطلاقتها الأقوى مع تولِّي الملك عبدالعزيز الحكم، وتأسيس المملكة العربية السعودية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store