Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

قطار عطبرة.. أم النيل؟!

إضاءة

A A
من حسن حظ المنطقة والسودان، أن الميدان هناك يكاد يخلو؛ من أي كائنات أو زواحف «خلف الجدران»!

من حسن حظ الميدان أنه يتّسع للجميع كقلب السودان.. ليس من الخرطوم وأم درمان فقط، وإنما من القضارف ومن عطبرة ومن كل مكان.

بالأمس كان قطار عطبرة يُطلق في المساء صافرات العدالة والحرية.. يُطلقها في البرية.. وفي الصباح كان الركَّاب يتدفَّقون للانخراط مع الشباب والشيوخ من ثوّار السودان.

من حسن حظ ثوَّار السودان، أنهم ليسوا مُصنَّفين أو متمحِّكين أو مرتدين لعباءات أحزاب أو تيارات، أو جماعات إسلامية، حتى لا يُخيفون أحدًا في الداخل، أو في الخارج!

من حسن حظ الداخل والخارج أن شباب السودان استوعب ما جرى وما كان.. شأنه في ذلك -حتى الآن- شأن المُتحدِّثين في المجلس العسكري بمن فيهم البرهان.

من حسن حظ البرهان أن المطالبين بحكومةٍ مدنية وبمجلسٍ سيادي مدني لا يَقْصُون أحدًا من المدنيين ومن العسكريين، شريطة ألا يكون قد سقط أو فسد، أو عذَّب أو سرق، أو تآمر أو خان شعب السودان!

من حسن حظ شعب السودان أن أجيالهم يحملون طمي النيل في أكفّهم.. يسدّون به كل محاولات الفرقة والفتنة، ويعطونه لمَن يُريدون التطهُّر من أدرانهم!

لقد جمع قطار عطبرة -الزاحف كما النيل إلى الخرطوم- كل زهور الأمل التي أزهرت في القلوب وفي العيون.

هكذا جاء مشهد قطار عطبرة الواصل للميدان؛ مُجسِّدًا لإرادة شعب ينهض من جديد، رافضًا من الآن أن يغفو أو يسهو أو يتكاسل أو يتواكل أو ينام.

لقد سجَّل التاريخ الحديث بحروفٍ من نور مشهد ركَّاب القطار الزاحف إلى ميدان الثورة في الخرطوم، وهم يُلوِّحون للغيوم أن تنقشع، وللنجوم أن تدنو وتقترب كي تُضيئ لهم؛ وهم يَرسمون ملامح مستقبلهم.

كان قطار عطبرة يمرق في الصباح، ويروي ويستبدل صوته بخرير المياه.. وفي المساء كان ممعنًا في مشيته بل في صباه.. وهو يُردِّد أناشيد الأمل.. ساطع في ضمير الحياة.

كنت أراقب قطار عطبرة وهو يُباغت العالم بالروعة وبالذهول.. إنه يحمل قلوبًا بحب بلادها تدق.. أنامل على طبول المجد تدق.. فتصحو القرى والمدن المحيطة على دهشة المستحيل.. لتسأل نفسها: قطار هذا أم النيل؟!.

ها هو قطار عطبرة -كما النيل- يشتهي لمسة الجذر في الأرض، فتنهض كل الغصون على ساقها.. تتمدَّد على واجهته وفوقه، وعلى صدره تستطيل.

قبل سنوات طويلة، وحين كنت أتهيَّأ لحفل الزواج، أصرَّ الزملاء والزميلات السودانيين والسودانيات على مشاركتي الفرح، وجاءوا بالقطار، الذي نقلهم من محطة مصر إلى قريتي بالمنوفية.

لقد ظل هؤلاء الأصدقاء -الذين يُشاركون الآن في تجمُّع المخلصين، الراغبين في الحرية والتغيير، من المهنيين وغير المهنيين- يتحدَّثون عن روعة قطار القاهرة - طنطا طريق منوف، وهم لا يعلمون أن قطار عطبرة - الخرطوم سيخطف الأنظار بعد سنين.

أتذكَّر جيدًا الزميلتين صباح محمد آدم وإنعام محمد الطيب، والزميل أبوالعزائم.. علَّهم الآن مُنهمِكُون ومشغولون بإعلاء صوت الحرية والحكمة، أملاً في سودان جديد وقوي ومتين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store