Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الخوف والحلم بسوق العيش!

A A
ربما لأني ربيبة الثقافة العربية التي أشاعت ثقافة «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع»، قصقصت أجنحة أحلام أجيال، تحذر من التحليق بعيداً، تنشر اليأس والإحباط وتحد من انطلاقة الطموح، تنصح أبناءها بتحري السلامة و»المشي جنب الحيط» كي لا تتعثر أقدامهم في حفر الغواية وفوهات الفساد، هكذا استمررت أقصقص أجنحة أحلام بناتي كلما فردوها لينطلقوا في عالم الأفكار والمشروعات الصغيرة الهادفة، حتى قالت ابنتي أنت تضعينا في دائرة الخوف التي تعيق الأفكار، تذكرت لحظتها ذات العبارة استمعت إليها قبل يومين فقط في دورة تحسين الأداء التي قدمها سعادة مستشار التدريب الأستاذ عصام قاري لموظفات الجمعية الأولى، في تحليل فجوات الأداء الوظيفي، وأن أحد المعوقات الفردية هو «الخوف» العدو الأول للقائد، المعوق رقم «7» (جبان يخاف التحديات ورؤية القمم).

هذا الخوف، هو الذي أعاقني عن استيعاب ما استمعت إليه في الدورة التدريبية أو تبني الأفكار التي عادة تطرح أمامي من بناتي مثلاً، اكتشفت في حواري مع ابنتي أن الخوف أعاق دعم أي فكرة تطرح أمامي لممارسة أي نشاط خارج الإطار التقليدي للعمل أو لتطوير إمكانياتهم بشكل عام، أي أن خوفي لا خوفهم هو المعيق لأحلامهم، ربما كثير من الأمهات والآباء لا ينتبهون وهم يضعون كوابح الخوف تعيق طيران أجنحة أحلام أبنائهم خصوصاً عند تخطي المرحلة الثانوية، والدخول في متاهة التخصصات الجامعية والمهنية، بعضهم يمسك أحلامه ويطلقها بدلاً من حلم ابنه كمن يدفع ابنه لدراسة الطب مثلاً بينما فرد الابن أجنحة حلمه في اتجاه آخر، أو أن الخوف من عدم جدوى التخصص أو أهميته أو توهم خطورته كتخصص الطيران أو العسكرية أو البحرية مثلاً التي يتوهم الكثيرون أن الأخطار تكتنفها مع أنها تخصصات مهمة لكن الخوف أحياناً يعيق اتخاذ خطوة باتجاه تحقيق الحلم، أحلام الأبناء أصبحت أكثر واقعية والتصاقاً بالأرض، ليس لأحلامهم أجنحة تحلق بعيداً تمسك النجوم، تبني قصوراً على هامة السحب، تحول كل ما حولهم إلى ذهب بلمسة إصبع، كما فعل أحدهم في الأسطورة اليونانية القديمة وعندما تحقق حلمه أو أمنيته ضاقت حياته وتحوّل كل شيء يلمسه إلى تمثال من الذهب حتى زوجته وأولاده، ربما أسرف في حلمه أو أمنياته لكن الأسطورة ترمز إلى أن الواقع أحياناً أفضل من الأحلام التي تتجاوز القدرات والإمكانيات وتحول كل ما حولك إلى جماد بالمعنى الرمزي، أي أن تفقد الأحلام المتجاوزة قيمتها إذا أصبحت واقعاً؛ فالحلم مشروع إذا كان يدفعك إلى التمسك بالحياة، إذا ساعدك على تنقية سمائك من الهموم والغيوم، احلم إذن كما شئت وأطلق عصفور الأحلام يحلق بعيداً وينشر جناحيه ويعود إليك طائراً كالعنقاء، على ألا يغريك الحلم بأن تتجاهل الحياة، بل لتقذف داخلها بكل اضطرابها وعنفوانها ومشكلاتها!.

كما هي سنة الاختلافات بين البشر في الشكل واللون والطول والكتلة الجسدية، والطباع والأخلاق وردود الأفعال؛ تختلف أيضاً إمكانياتهم وقدراتهم على تحقيق أحلامهم وطموحاتهم وأمنياتهم! كذلك تختلف قدرة البشر على إطلاق الأحلام، بعضها يطلقه العقل الباطن لتحقيق حاجة، وقديماً قالوا: « الجيعان يحلم بسوق العيش»، لكن بعض البشر يطلق لأحلامه العنان لتحلق بعيداً عن أرض الواقع، فيشعر بالعجز -مهما كانت قدراته وإمكانياته- عن الإمساك بأجنحة أحلامه، ويدخل في دوامة الإحباط، ويحيل كل فرصة إلى عجز ورفض وصد لأنها لا تحقق ما يصبو إليه ويحلم به.

بعض الأحلام يمكن تحقيقها لأنها تلامس أرض الواقع، وهي الطريق إلى المجد أو الثراء أو الشهرة؛ فالأحلام هي المادة الأولية التي ينسج منها كل ما سبق بالاقدام والتخلص من الخوف المعيق الأكبر لتحقيق الأحلام والسهر والتعب إلا إذا كنت تغط في النوم وتحلم بسوق العيش فاهنأ بأحلامك وتمتع بنومك!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store