Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

رمضان.. لتعزيز القيم الفاضلة

A A
يُخطئ من يقول: إن شهر رمضان الكريم هو فقط التوقّف عن الطعام، وأداء الصلوات المفروضة، وخاصة نافلة التراويح، ثم يتناسى أشياء أخرى لا تقل أهمية عن هذه الأشياء، وهو تعزيز القِيَم والسلوكات الفاضلة، كالتكافل والتراحم، والتواد والتعاون، والتسامح بين أفراد الأمة المسلمة لمضاعفة وتعزيز العبادات الخالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، لكن الذي نلمسه ويشوبه الكثير من سلوكيات التشويه؛ إذ نراه يتحوَّل إلى مشاحناتٍ وتنافر في الطرقات والأسواق، وحتى المساجد التي يستوجب أن تكون الملاذ الآمن المطمئن للتفكُّر والتدبُّر والتأمُّل في كتاب الله تعالى، وفي ملكه العظيم، وكل ذلك يحدث وللأسف الشديد لأتفه الأسباب؛ بحجة أثر الصيام، وهذا بالطبع يتنافى مع القيمة الفعلية لهذا الشهر العظيم.

وفي جانبٍ آخر، نجد أن الكثير من المساجد تتحوَّل إلى ميادين لسباق رفع أصوات ومُكبِّرات الصوت، وتناسوا قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وهذا حتمًا لن يتحقق لمَن هو خارج المسجد، إضافة إلى ما سيترتب على ذلك من تشويشٍ داخل البيوت المجاورة، كما تناسوا قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا}. ولا ننسى أيضًا أن ما يقوم به البعض من اصطحاب أطفالهم إلى المساجد، وتركهم يلهون ويعبثون ويتحدَّثون مما يترتَّب عليه التشويش على المصلين، وكذلك ما يقوم به بعض الأئمة من إطالة في الدعاء، وصياح مبالغ فيه، وتناسى هؤلاء أنهم يُخاطبون رب العالمين، الذي يسمع دبيب النمل على الصخرة السوداء في الليلة الظلماء، وتناسوا أن نبي الله وحبيبه -صلى الله عليه وسلم- عندما سألته أحب زوجاته عن أفضل الدعاء في رمضان فقال لها: قولي: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)، هي كلمات مختصرة، جمعت كل الخير في الدنيا والآخرة.

وفي جانب السلوكيات الاجتماعية المغلوطة، نجد تلك المبالغات غير المحمودة في المشتريات الرمضانية، وفي إعداد الموائد التي قد يذهب الكثير منها إلى مرمى النفايات.. ونجد أيضًا أن بعض الميسورين يُحوِّل منزله إلى مذلّة، يتجمع حولها الفقراء والمحتاجون، فيتراكمون حول بابه، بينما كان الأجدر بمثلهم أن يضعوا أسلوبًا سلسًا خلاف ذلك؛ لحفظ كرامة وعزّة أولئك المحتاجين.

أما أغلب القنوات التلفزيونية -وللأسف الشديد- تحوَّلت إلى ميدان لسباق المسلسلات، التي أرى أن أغلبها يُسيء للدين الحنيف، ويُشوِّه صورة المجتمع المسلم، ويبعد الروحانية التي يتّسم بها شهر رمضان المبارك.

ولا ننسى ما يحدث في آخر هذا الشهر المبارك من إقبالٍ مبالغ فيه على الشراء، وما ينتج عن ذلك من فوضى وزحام، ومبالغة في الأسعار، يستثمرها هوامير التجارة.

ونختم بالدعاء، أن يتقبلَ الله منّا صيام هذا الشهر وقيامه، وأن يعمَّ الأمن والأمان كل بلاد المسلمين. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store