Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

الغناء مع الشعب.. والغناء على الشعب!

إضاءة

A A
أُتابع باهتمامٍ شديد الصخب الدائر حول الانتخابات الهندية، حيث استعانت الأحزاب السياسية المتنافسة، بالغناء والموسيقى لجذب جمهور الناخبين، ولم يقتصر هذا النهج على الحزبين الرئيسين المتنافسين في البلاد، حيث تنبعث الإيقاعات المستقاة من موسيقى "الراب" و"الهيب هوب" من أبنية كافة الأحزاب الإقليمية أيضًا!.

وبطبيعة الحال في كل مكان، وليس في جل الدول العربية فقط، راح حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم يبث أغنية تقول: "دعونا نلقِ نظرة على حكومة "مودي" مرة أخرى، دعونا نخطو إلى الأمام بفخر، دعونا نساعد زهرة اللوتس على أن تتفتَّح مرة أخرى"!.

وفي المقابل، وعلى عكس ما يتم في جل الدول العربية، أطلق حزب "المؤتمر" المعارض أغنية دعائية بُثّت في التلفزيون، تتعرَّض لحال الهند في ظل حكومة "مودي"، مُبشِّرة بالأمل في إقصائه، ومُؤكِّدة أنه: "ستكون هناك عدالة الآن"، في إشارةٍ إلى الظلم الذي عاشته البلاد في ظل حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم!.

لقد جاءت أغنية الحزب الهندي المعارض؛ والذي ظل يتقاسم السلطة، بل ويحتكرها أعوامًا عديدة، أشبه بالاستصراخ، بل بالنواح وهي تقول: "لقد اتخذتَ إجراءات خاطئة.. وغيَّرتَ أسماء المدن.. وجعلتَ من العملة ورقًا عديم القيمة.. وخدعتَ الفقراء.. ونشرتَ الكراهية بين الناس.. وحرَّضتَ الأخ على أخيه.. والآن تُطالبني بأن أنتخبك؟، لقد حان الوقت لأن تسمعني"!.

كنتُ في الهند في بيت رئيس الوزراء الهندي "فشوانات برتاب سينج"، رئيس حزب "الجاناتادال"، عندما أخبره مُرافقي أنني سألتقي منافسه الرئيسي "راجيف غاندي"، رئيس حزب "المؤتمر" في المساء.. ولمَّا كان الرجل مُستَفزًّا بما فيه الكفاية من "راجيف" وحزبه، فقد راح يُخاطبني طوال الوقت في بداية كل جملة بعبارة: "قل له"، "قل له"!.

كان "راجيف" يلعب على وتر الحريات والأقليات والفتنة الطائفية والمسجد البابري، وكان لـ"سينج" موقفًا صارمًا.

كان تقرير "ماندل" الخاص برفع مستوى الطبقات الفقيرة والمتخلِّفة قد صدر، وكان كل فريق يدَّعي مسؤولية الآخر عن التعطيل.. قال "سينج": إن "المؤتمر" لا يريد إشراك الطبقات المتخلِّفة في السلطة.. قل له إنك تخاف منهم.. من أبناء الطبقات الفقيرة، لذلك تتجنَّب إعطاءهم أي فرصة للتقدُّم! قل له: إنه وحزبه وراء تفجير الصراع مع الأقلية المسلمة، عندما أصر "راجيف" على فتح المسجد البابري، لزرع "الإله رام"، قل له: في زمن الانتخابات يكثر كلامكم وتتزايد شعاراتكم وتلعبون بكل شيء، وعندما تصلون إلى الحكم لا تفعلون شيئًا!.

كنتُ أتصنَّع الدفاع عن وجهة النظر الأخرى، والتي هي رؤية حزب "المؤتمر" في ذلك الوقت، قبل أن يطلب مني "سينج" الإنصات تمامًا لسماع هذه القصة!!.

قال بصوته الواثق: سأروي عليك قصة من تراثنا الهندي، لعلك ترويها له عندما تلتقيه في المساء.. ربما لم تروها له أُمّه السيدة "أنديرا غاندي".. ومضى يقول: كان هناك أخوان يتقاسمان جاموسة.. وكان الأخ الأكبر داهية عندما اختار الجزء الخلفي منها، تاركًا الجزء الأمامي لأخيه الأصغر! وهكذا مضى الحال.. الأخ الأصغر المسؤول عن الجزء الأمامي؛ يُوفِّر العلف والبرسيم من قوته وقوت أولاده!، والأخ الأكبر المسؤول عن الجزء الخلفي من الجاموسة؛ يتولَّى حلبها يومياً في الصباح وفي المساء! فلمَّا تضجَّر الأخ الأصغر، صرخ الأكبر مناديًا الناس أن تعالوا لتروا كيف ينقلب الأخ الأصغر على الاتفاق، ويتعمَّد إثارة الجيران، وبث روح الفوضى في البيت، وفي البلدة كلها!، وأمام ذلك لجأ الأخ الأصغر إلى حيلةٍ ناجحة وموجعة!!، حيث راح كل صباح ومساء يضرب الجاموسة على رأسها، "الجزء الأمامي"، فأصابها الاضطراب، وبدأت "تدلق" الحليب على الأرض! عندها فقط بدأ الأخ الأكبر في التفاوض، ورضي بالقسمة العادلة، وهي أن يشترك الاثنان في إطعام الجاموسة، ومن ثم اقتسام اللبن!.

قريبًا من ذلك تمضي الآن حدوتة مُصوَّرة لحزب "المؤتمر"، تتحدَّث عن خطورة ظلم الفقراء، وإثارة الفتنة، وتأليب الأخ على أخيه، فيما يعلو صوت الميكروفونات بأغاني حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم؛ عن ضرورة تكملة المسيرة وجني الثمار.. وسرعان ما يرد مؤيدو حزب "المؤتمر"؛ ببث فيديو مُصوَّر يمتدح حزبهم؛ من مستخدمي موسيقى "الراب"، فيما تظهر صورًا لرئيس الحزب "راهول غاندي"، مصحوبة بأغنية جديدة تقول: "عصرنا سيأتي"!.

يأتي عصر وينتهي، ويبدأ عصر جديد، والتاريخ يُسجَّل في الهند وفي غير الهند.. أيُّ الأحزاب والقادة يُطبِّل ويُغنِّي لإنجازاته الفعلية بصدقٍ وحق، وأيُّها يُدرك أو لا يُدرك أن طبله أجوَف، وأنه يُغنِّي على الشعب؟!.

التاريخ يُسجِّل، والواقع يشهد، واسألوا كثيرين، آخرهم البشير!!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store