Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

نحن ورمضان.. والاستهلاك!!

A A
أحياناً.. يُخيل إليَّ أننا ندّخر كل شيء في حياتنا لنفعله دفعة واحدة في رمضان.. مأكولاتنا، مشروباتنا، ملابسنا، تلفزيوننا، مسلسلاتنا، مسابقاتنا، فوازيرنا، سهراتنا.. حتى (بَلِيْلَتنا) و(سوبيتنا) ..كل شيء في رمضان يتحول الى سباق استهلاكي لاهث ومزعج، يصبح معه (الشهر الأكرم) حالة من الاستهلاك اللامقنن واللاموزون، والمرهق مادياً وصحياً وربما إجتماعياً!

استهلاكنا في رمضان لا يتوقف عند الطعام الذي لا تكفي المحلات لاستيعابه؛ فنعرضه على أرصفة الشوارع وفوق (ظهور الوانيتات )؛ ويشارك في صنعه كل جنسيات العالم.. ولا عند موائد المساجد التي يُرمى منها أكثر مما يُؤكل.. بل يتجاوز كل هذا إلى الإسراف في برامج التلفزيون؛ وإهدار الوقت بالمسلسلات واللقاءات والمقالب السامجة.. ناهيك عن إسرافنا في النوم، في الازدحام المروري، في مواعيدنا الملغية، في (أعمالنا اللي لك عليه شوي)، في أجوائنا العصبية والغاضبة؛ في مشاداتنا وعراكاتنا وشتائمنا في آخر ساعات النهار.. باختصار إنه شهر الاستهلاك، والاستنزاف والإسراف، والمشاعر الخشنة!

هذا الاندفاع الرمضاني الذي عززته الرأسمالية المتوحشة فينا، والذي يثقب كل ميزانيات الأسر، هو أمر مخالف بالطبع لروحانية الشهر؛ ولفلسفة الصيام، وللحكمة الربانية من فرضه فضلاً عن مخالفته لكل ماينادي به الأطباء وخبراء الصحة.. كما أن هذه الشراهة تشير صراحة إلى خلل قديم في الوعي الاستهلاكي لدينا، والى استمرار مؤسف لضعف مفاهيم إسلامية مهمة أساسها الروحانية واحترام النِّعمة، والتكافل والشعور بالآخرين.

لقد صنعت تقسيماتنا الاستهلاكية غير المنضبطة من هذا الشهر المقدس أعلى شهور الله هدراً.. فأوله تسويق غذائي، وأوسطه إنفاق كسائي.. وآخره استهلاك منزلي، مما يفسد ولاشك خيرية الشهر، ويخالف أهدافه الأساسية كشهر يجب أن يتغلب فيه الصائم على رغباته المادية، وتنتصر روح العبادة والزهد والعطاء في داخله، على روح الأنانية والاستهلاك الفردي.

رمضان فرصة رائعة لتنمية مشاعر دينية وقيم عليا جميلة في نفوسنا ونفوس أبنائنا، لا أدعو هنا إلى عدم الابتهاج والفرح بشهر القرآن .. بل هي دعوة لمراجعة الكثير من سلوكياتنا وعاداتنا، خصوصاً الاستهلاكية منها، التي أصبحت تتنافى للأسف مع أهداف هذا الشهر الكريم، مثل زيادة استهلاك وشراء الأغذية دون حاجة حقيقية.. وزيادة عدد ساعات مشاهدة التلفزيون، وبعض الممارسات الخاطئة كالنوم وغيره من الممارسات التي تنتقل للأطفال كثقافة مرتبطة بالصيام، فيكبرون وتكبر معهم هذه الصور النمطية، ويبقى شهر رمضان مرتبطاً لديهم بالاستهلاك الغذائي والتلفزيوني وإهدار الوقت.

‏ كل عام وأنتم بخير

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store