Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

تحية عربية لكل جدة نمساوية!

إضاءة

A A
تمنيت أن أعود الى العاصمة النمساوية فيينا مرة أخرى للاستماع أو الاستمتاع بأصوات «الجدات» الصارخات في وجه التطرف، والمقاومات الباسلات لليمين المتطرف هناك!، تمنيت لو كنت مكان الزميلة ميليسا إدي وهي تنقل كيف مضت السيدات المتقدمات في العمر وهن يرتدين قبعات مصنوعة يدوياً بالألوان الأرجواني والأحمر والأزرق، وكيف يمضين بين المقنَّعين المناهضين للفاشية وبين الطلاب الذين تعالت أصواتهم بالهتاف ضد التعصب والتطرف وكل أطروحات اليمين المتطرف!

كنت في فيينا مصطحباً الوفد السعودي الذي توجه برئاسة رائد الدبلوماسية الحديثة الراحل الأمير سعود الفيصل لافتتاح المركز العالمي لحوار الأديان. ورغم أجواء البهجة التي عمت أرجاء النمسا في هذا الوقت من عام 2012 فقد لمحت مجموعة من هؤلاء المتعصبين يحملون شعارات مناهضة لفكرة إقامة المركز وبالجملة فكرة الحوار مع الآخرين!.

كان اليمين المتطرف قد عرف طريقه الى فيينا إحدى عواصم التسامح والجمال والحضارة الإنسانية، وكانت صحفه ومنشوراته تطفح بالعداء للآخر، وتلفظ فكرة الحوار من أساسها! ومن ثم فقد برزت المقالات المقيتة والكاريكاتيرات الفجة، والتقارير السامة ضد كل ما هو إنساني مشترك!

في ليلة الافتتاح حرص الرئيس النمساوي، والعاهل الأسباني، على تطييب الأجواء، وبث روح التسامح وقيم الحوار، والترحيب بممثلي الإسلام الوسطي الجميل والمعتدل، وفي الصباح كانت أبواق اليمين المتطرف تعلن رفضها للحوار، وتحذر من الإسلام ومن المسلمين!.

وكان ما كان وتنامت ظاهرة اليمين المتطرف في النمسا وفي أسبانيا وفي معظم العواصم الأوروبية حتى بتنا نتمنى من قلوبنا أن تفوز الأحزاب اليسارية في كل انتخابات!.

لقد ظل مصطلح «اليسار» في ذاكرتنا مرتبطاً ظلماً ولسنوات طويلة بمعاداة الإسلام! ولم نكن ندري أننا سنترحم على أحزاب اليسار، مقارنة بما تفعله وتنادي به أحزاب اليمين المتطرف!.

عدت لتقرير ميليسا الذي نشرته نيويورك تايمز ونقلته الشرق الأوسط وعشت أجواء التظاهرة، حيث صرخ صوت من الدور الثالث في إحدى بنايات فيينا: انظروا !إنهن الجدات! كانت التظاهرة تقطع طريقها في شوارع الضاحية الخامسة فيما ترتسم على وجوه المتظاهرات ملامح الخوف على مستقبل الأجيال من حمى اليمين المتطرف.

ووفقاً للتقرير تنتمي هؤلاء النسوة الى حركة تطلق على نفسها اسم «جدات ضد اليمين» وهن عشرات من النساء اللائي ينتمين الى جيل راقب أبناؤه أمهاتهن وهن يعانين تبعات الحرب العالمية الثانية. وتستهدف الحركة تشكيل مقاومة دولية ضد تيار اليمين والمتطرفين في أرجاء أوروبا وما وراءها!

كنت أنهي قراءة التقرير المثير، وفي النصف الآخر من الصفحة كان العنوان الأجمل: نتيجة الانتخابات الأسبانية تفرح بروكسل وتمهد بقوة للبرلمان الأوربي.. وفي التفاصيل فقد فاز الحزب الاشتراكي بقيادة سانتشيز الأمر الذي قد يمكنه من تشكيل حكومة أقلية وأن يحكم بمفرده.

لقد تنفست عواصم أوروبية عديدة وفي مقدمتها بروكسل الصعداء حيث سيكون فوز اليسار الأسباني وقوداً للأحزاب الاشتراكية والتقدمية وداعماً للبرلمان الأوروبي في وجه اليمين المتطرف!

فاذا أضفنا لذلك أن المفوضية الأوروبية تتعرض منذ فترة لنيران اليمين المتطرف والشعبويين خاصة في إيطاليا والمجر وبولندا عرفنا قيمة «جدات النمسا الباسلات»..

دعاءٌ صادقٌ من القلب للجدات في أسبانيا بمناسبة الصمود في وجه اليمين المتطرف، ولكل جدة في العالم تنتصر للحق بمناسبة رفض تيار الكراهية.. وتحية لكل جدة فلسطينية بمناسبة ومن دون مناسبة!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store