Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

إيران.. وقائع أزمة لا سيناريوهات حرب (٢)

A A
يتمدد مسرح العمليات في أية مواجهة عسكرية أمريكية - إيرانية، ليشمل كافة المناطق التي يحتفظ فيها الإيرانيون بجماعات موالية أو مليشيات، من أول افغانستان وباكستان وحتى قطاع غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن.

تمدد مسرح العمليات الإيراني، يتيح لطهران، الاحتفاظ بقدرات ردع، لكنه يتيح للولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة، إمكانية تطويق، أو عزل، أو تحييد، مناطق تمركز حلفاء إيران، الذين يمثلون أهم رهاناتها في الأزمة الراهنة.

يقول الإيرانيون، نحن لسنا العراق، مستبعدين إمكانية حدوث اجتياح بري لبلادهم على غرار ذلك الذي جرى للعراق قبل ستة عشر عامًا، ولكن الأمريكيين لا يفكرون على الأرجح في سيناريو عملية غزو بري كلاسيكي مثل تلك التي قاموا بها ضد العراق في العام ٢٠٠٣، فلا الظرف الدولي الآن يسمح بهذا، ولا الظرف الإقليمي يتحمله، ولا الظرف الذاتي الإيراني يغري بوقوعه، ولهذا يميل الملالي من أول المرشد الأعلى علي خامنئي، وحتى الرئيس حسن روحاني، الى استبعاد وقوع حرب أمريكية شاملة ضد إيران. أما ادارة الرئيس الأمريكي ترامب، فإنها لا تحبذ أيضًا خيار الدخول في حرب شاملة ضد إيران، تعرف أن كلفتها ستكون باهظة، وأن مداها الزمني قد يكون ممتدًا، بما قد يسمح لخصوم واشنطن في بكين وموسكو بتبني سياسات تسمح باستنزاف طويل المدى للقدرات الأمريكية الهائلة. ولهذا السبب تميل إدارة ترامب إلى بلوغ أعلى مستويات الجاهزية العسكرية، والسياسية، من أجل الضغط لتغيير سياسات طهران وربما أيضًا تغيير نظام الحكم فيها.

بسبب ما تراكم لدى الملالي من سلطات ومن خبرات على مدى أربعين عامًا، خاضوا خلالها حروبًا ممتدة، وتعرضوا لعقوبات مزمنة، فقد طور النظام الإيراني آليات بقاء، تجعل سقوطه صعبًا، وبقاءه مكلفًا، ولهذا فإن استهداف إسقاط النظام القائم قد لا يكون عمليًا، وربما يكون أقل فائدة من تبني هدف تغيير سلوك النظام، بديلًا عن تغيير النظام ذاته. على المستوى التكتيكي، يبدو التصعيد الأمريكي المتسارع ضد إيران، مفيدًا سواء للولايات المتحدة أو لحلفائها في المنطقة، فمستويات التصعيد، تعكس مستوى التزام واشنطن بأمن حلفائها في المنطقة، لكنها تعكس في الوقت ذاته رغبة واشنطن (على المستوى الإستراتيجي) في تطويق جنوب روسيا من جهة، وفي قطع تواصل طريق الحرير بالنسبة لمشروع العمر الصيني (مبادرة الحزام والطريق). وبسبب تعارض المصالح الإستراتيجية بين موسكو وبكين من جهة، وبين واشنطن من جهة أخرى، فإن الروس والصينيين ربما وضعوا بعض العصي في بعض عجلات الحرب الأمريكية ضد إيران.

أمريكا بحسابات المصلحة، لا تخطط لحرب شاملة ضد إيران، كذلك فإن طهران بحسابات القوة، سوف تعمل على تجنب خوض حرب شاملة ضد الولايات المتحدة، قد تعيد إيران خمسين عامًا إلى الوراء.. وهكذا فإن أقصى استخدام أمريكي للقوة قد يقتصر على ضربات جوية أو صاروخية تستهدف بصورة أساسية المنشآت النووية الإيرانية، وبعض مصانع الصواريخ، ومقار قيادة الجيش والحرس الوطني.. ضربة تشبه تلك التي تلقاها نظام ميلوسيفيتش في صربيا، وقادت بتداعياتها الرئيس الصربي إلى المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية.

لا يمكن تصور أن تعود الولايات المتحدة من رحلة السفاري في المنطقة خالية الوفاض، وإلا فقدت هيبة القوة العظمى، ولا يمكن تصور أن تتراجع أمريكا عن مطالبها المعلنة من طهران وبخاصة ما يتعلق منها ببرنامجها النووي، وببرنامجها الصاروخي، وبتدخلاتها في الجوار الإقليمي.

إقناع إيران تحت وطأة القبضة الأمريكية الثقيلة بالتخلي عن البرنامجين النووي والصاروخي، وعن مليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، سوف يعني أن تغييرًا جوهريًا قد طال خارطة القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، وأن آثار هذا التغيير قد تسهم في تكريس حقائق جديدة قد تطال طبيعة النظام الدولي على مدى القرن الجاري كله.

طبول الحرب المصاحبة لمواكب استعراض القوة الأمريكية، قد لا تعني أن الحرب قادمة بالضرورة، وقد تكون هي الموسيقى التصويرية المصاحبة لمشاهد تفاوضية يجري خلالها إجبار طهران على تقديم تنازلات سياسية، من شأنها إن جرت أن تنزع فتيل الحرب من جهة، وأن تنزع هالات القداسة عن ملالي فرطوا في مصالح أسبغوا عليها قدسية زائفة.

(يتبع)

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store