Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

السجن داخل فكرة!!

A A
أصعب سجن للإنسان هو السجن داخل فكرة.. خصوصاً إن تمكنت هذه الفكرة من منامه ويقظته، وسيطرت عليه حد الهوس.. لأنه عندها يكون السجين والسجان، والضحية أيضاً فيما بعد. ويمكن القول إن حادثة الحرم الشهيرة ١٩٧٩م تمثل أنموذجاً واضحاً للسجن داخل فكرة.. فالجماعة التي تشكلت في العام 1965 كأول جماعة سلفية علنية في المملكة، وانتحرت جماعياً في العام 1979 بسجنها لنفسها داخل الحرم المكي، ظلت حبيسة لفكرة خلاصية واحدة تقريباً، سيطرت عليها وتمددت داخلها، ثم قضت عليها!.

منذ اليوم الأول لتأسيس (الجماعة السلفية المحتسبة) وهي تعيش تحت ضغط فكرة أننا نعيش في آخر الزمان؛ وفي زمن خروج المهدي المنتظر، ولأن (جهيمان) الشخصية الأكثر تأثيرًا في الجماعة كان يمجد الرؤى؛ فقد انتشر في الجماعة فكر تفسير الأحلام، وكانت الرؤى تحظى من جلساتهم بنصيب الأسد!. والأعجب أنه لم يكن للجماعة مشروع مستقبلي لا سياسي ولا حتى اجتماعي، كانت فكرة إننا نعيش آخر الزمان هي المسيطرة وهذا ما كان يمثل لهم اليأس على جميع الأصعدة، فما الداعي للقلق على المستقبل والمهدي والدجال سيظهران قريباً؟!، لذا انشغلت الجماعة بالعمل على لي مفاهيم النصوص من أجل إثبات هذه الفكرة، خصوصاً والتاريخ الهجري يتجه الى قرن جديد!.

مارست الجماعة التي انفرد جهيمان بقيادتها منذ أواسط السبعينيات عملية عسف قوية من أجل الدمج بين الأحلام وبين أحاديث الفتن وأشراط الساعة، فأصبحوا يستعينون في تطبيقها على الواقع الذي يرونه كافراً في الكثير من تفاصيله، ولشدة هذا الهوس الذي كان يكبر ويتضخم لديهم باقتراب العام 1400هـ تواترت الأحلام، وتوطدت النفوس بأشراط الساعة، وتضخمت الفكرة (السجن) في عقولهم، وكان لابد من فكرة خلاصية تنهي هذا (المأزق).. كل شيء كان جاهزاً تقريباً، ولم يبقَ على الخلاص المنتظر سوى ظهور المهدي، لذا تم إيجاده عن طريق الرؤى أيضاً، كان المهدي المزعوم أحد أفراد الجماعة، وافق اسمه اسم النبي، وأثبتوا له نسباً إليه، ورأوا له الأحلام التي تعزز دعواه وأصبح كل شيء جاهزاً للخلاص.

كانت فكرة اقتحام الحرم المكي فكرة خلاصية مرتبطة نصياً بقضية المهدي، فالجماعة التي أرهقتها الفكرة يوجد لديها سيناريو لخط سير المعركة، فبعد مبايعة المهدي بين الركن والمقام والاعتصام في الحرم يأتي جيش من تبوك ويخسف به، ثم يخرج المهدي إلى المدينة لقتال الدجال، ثم إلى فلسطين لحرب اليهود ثم يلقى عيسى فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ثم إلى الشام للصلاة في مسجد بني أمية، ثم تقوم القيامة الكبرى! ..لكن هذا السيناريو المنعقد في أذهانهم، أفسده مقتل المهدي المزعوم أمام أعينهم في الحرم، فسقط السيناريو وسقطت الفكرة وسقط جهيمان وسقطت الجماعة!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store