Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

أعيادنا.. قبل وبعد!

A A
بدأ البيت السعودي يعود إلى جذوره وأصوله التي ابتعد عنها سنوات الطفرة والصحوة التي شتتت الأهل والأحبة، وأصبح التنائي بين الإخوة والأهل جزءاً مهماً من صفة « المتأسلم»، لأنه يدخل في قطيعة نهائية مع كل من يخالف فكره وقناعته وانتماءه إلى جماعته، وأصبحت الأخوة في الله كما يدعون تغني عن أخوة الدم، فيقاطع الأخ أخاه لمجرد أن في بيته منكراً « تلفزيون» مثلاً، أو أنه ليس ملتحياً، أو أنه يخالفه في بعض أفكاره، وكذلك قاطعت الأخت أختها لأنها لا ترتدي عباءة الرأس مثلاً أو أنها تقيم حفلات زفاف أبنائها بالمعازف، أو أنها لا تنضم إلى المحاضرات الدينية التي تدعوها إليها، مع أن صلة الرحم أوجب من القطيعة لأسباب واهية صنعها أشخاص مطامعهم الشخصية أدهى وأمر من خارطة المحرمات والممنوعات التي صمموها للمجتمعات المسلمة بدعوى أسلمتها!

القطيعة التي تفشت بين الأهل والأصدقاء والجيران والأرحام أفقدت الأعياد والمناسبات الدينية أهم ما يميزها، اجتماع العائلة بعد صلاة العيد مثلاً لتناول وجبة الإفطار في منزل كبير العائلة لأن بعض أفراد العائلة يريد فرض رأيه وفكره على الصغير والكبير مما يجبرهم على العزلة، كل أسرة تغلق عليها بابها أو تقضي العيد في الشاليهات أو خارج الوطن كي تبتعد عن مجال النكد والكدر.

منذ سنوات عادت البهجة تدخل البيت السعودي في المناسبات الدينية والوطنية عندما انكشف حجم الضلال في أفكارهم بشهادة شيوخهم الذين أعلنوا خطأهم على الملأ وقدموا اعتذارهم على ما أشاعوه من أفكار ضالة ليس هذا مجال عرضها ولا التعقيب على ما بدر منهم قبل رؤية 2030 أو بعد المضي أشواطاً على خطى رؤية محمد بن سلمان حيث أعادنا لما كنا عليه قبل توغل الفكر الإخواني وفكر الملالي وقبل تكوين التنظيمات المتأسلمة التي عملت على تنميط المجتمع وتحويله إلى نسخ مكررة مع أن الاختلاف سنة كونية، أو أنه البنية الجوهرية للوجود.

مسلسل العاصوف في موسمه الثاني ركز على هذه التحولات الفكرية التي بدأت تتوغل وتتغلغل في المجتمع بعد حادثة الحرم أو حادثة جهيمان، الفن والدراما بشكل خاص أسرع وسيلة لمعرفة التحولات الاجتماعية والفكرية والأحداث السياسية والثقافية في المجتمعات الإنسانية، لأنها تقدم للمشاهد صورته وهو يمارس حياته بكل إيجابياتها وسلبياتها، فهو يشاهد حقبة من حياته التي مضت بأحداثها مجسدة على الشاشة الصغيرة، أو أنه يشاهد حقبة تاريخية مضت لم يكن حاضراً فيها أو مشاركاً في أحداثها لكن أصابه شرر من نارها.

كثيرة هي الكتب والمقالات والحوارات التلفزيونية التي تناولت حادثة جهيمان، لكنها لم تحدث الأثر الذي أحدثه العاصوف في كشف حادثة الحرم والتحولات الفكرية والاجتماعية التي أعقبت تلك الحادثة التي شكلت علامة من علامات التغيير في المجتمع السعودي، كذلك مرت أعياد كثيرة كان الجميع يشعر فيها بالملل والضيق، حتى جاء التغيير في عهد الملك سلمان ورؤية ولي العهد الشاب الطموح محمد بن سلمان: «إنني في عجلة من أمري؛ لأنني أخشى أنه في يوم وفاتي سأموت دون أن أحقق ما يدور في ذهني لوطني».. جملة قالها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في لقاء مع الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان في نوفمبر 2017، هو هذا التغيير الذي أصبح سارياً في حياة السعوديين، والعيد طقس مهم من طقوس الدين لكنه أيضاً مناسبة بنكهة اجتماع عائلية، وبهجة تملأ الأنفاس.

أصبح عيد الفطر عيداً مبهجاً بكل هذه الفعاليات وبهذه الروح الاحتفالية، ربما هناك حالات خاصة أو أسر لديها ظروفها التي تحصرها عن هذه البهجة والاحتفاليات، لكن الأغلبية شاركت وابتهجت واحتفت بأكلات إفطار العيد، واجتماع العائلة في مكان واحد، سواء منزل أو مطعم أو استراحة أو شاليه على البحر، تخففوا من أحمال القطيعة التي كانت تنخر في جسد الأسر كالعث دون أن ينتبه لها أحد لأنها تحمل شعار الدين فالكل يصمت ويغض الطرف عن المناقشة أو تصويب الأفكار لأن من يجرؤ يكون معرضاً لتهمه الكفر وكأن من يطلقها على البشر جزافاً يعلم ما في القلوب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store